الأب. قبل ذلك، لا بد من وقفة للتعريف والتنبيه على حلقات أصولية وعلمية سابقة على هذه السلسلة. وأقتصر فيها على بعض مشاهير العلماء والأصوليين، الذين كان لهم أثر واضح في موضوعنا، أو كان لهم أثر كبير على من بعدهم ممن تكلموا في موضع المقاصد، مما يحتم علينا الافتراض بأن ما قاله اللاحقون عن مقاصد الشريعة، يحتمل أن يكون بعضه قد قاله، أو مهد له، سابقوهم.

الترمذي الحكم "أبو عبد الله محمد بن علي":

وقد اختلف في سنة وفاته اختلافًا كبيرًا. ولكن المتفق عليه، هو أنه من أهل القرن الثالث. والخلاف في: هل عاش إلى أواخره؟ وهل عاش إلى أوائل القرن الرابع؟

والحكيم الترمذي: قد لا يعد فقيهًا ولا أصوليا "بالمعنى التخصصي"، فهو قد عرف صوفيا فيلسوفًا "= الحكيم"، ولكنه مع هذا، يستحق أن يذكر، بل ينبغي أن يذكر، في مقدمة العلماء الذين اعتنوا بمقاصد الشريعة، ولو على طريقته الخاصة. فهو من أكثر العلماء عناية بتعليل أحكام الشريعة وبحثًا عن أسرارها. وهو من أقدم العلماء الذين استعملوا لفظ "المقاصد"، ولعله أقدم من وضع كتابًا خاصًا في المقاصد الشرعية، ووضع لفظ المقاصد في عنوان كتابه، وأعني بهذا كتابه: "الصلاة ومقاصدها". وهو -لحسن الحظ- موجود ومطبوع1. فهو كتاب في صميم موضوعنا، وإن كان صاحبه ينحو في تعليلاته منحى ذوقيا إشاريا، أكثر منه منحى علميا منضبطًا. وهذه نماذج من تعليله لمقاصد الصلاة أقوالًا وأفعالًا:

"فبذكر الله يرطب القلب ويلين، وبالشهوات يقسو القلب وييبس، فإذا اشتغل القلب عن ذكر الله بذكر الشهوات كان بمنزلة شجرة إنما رطوبتها ولينها من الماء، فإذا منعت الماء يبست عروقها وذبلت أغصانها. وإذا منعت السقي أصابها حر القيظ، فيبست الأغصان، فإذا مددت غصنًا منها إلى نفسك لم ينقد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015