وعندما أصدر المعهد أيضًا الحلقة الأولى من سلسلة أبحاث علمية وهو بحث "أصول الفقه الإسلامي منهج بحث ومعرفة"، ألح البحث كثيرًا على: "الاهتمام بمعرفة مقاصد الشريعة وتنمية دراستها والعمل على وضع قواعد أو ضوابط لها"1.

والكتاب الذي نصدره اليوم ضمن سلسلتنا الجديدة "مختارات من الرسال الجامعية" وهو أطروحة "نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي" للأستاذ أحمد الريسوني يحقق خطوة هامة وأساسية مما أملناه ورجوناه ويشكل لبنة أساسية في بناء الفكر المقاصدي المعاصر.

ففيما يخص مناهج فهم الكتاب والسنة ودراستهما واستلهام هديهما، يقدم لنا هذا البحث عرضا ودراسة لنموذج متميز في هذا الباب ألا وهو الإمام أبو إسحاق الشاطبي "790 هـ" الذي أصبح اليوم كما يقول الشيخ مصطفى الزرقا: "نجما ساطعًا يستضاء به في بحوث أصول الشريعة ومقاصدها وتوضح به المحجة وتقام به الحجة"2.

ولا مبالغة إذا قلنا: إن أهم ما قدمه لنا الشاطبي وبرز فيه بروزًا فريدًا هو مناهج فهم الكتاب والسنة فهما سليمًا متينًا، ولم يكن إبداعه في مقاصد الشريعة إلا ثمرة لتلك المناهج والقواعد. ولقد كان الشاطبي على بينة تمامًا من أهمية منهجه وقيمته العلمية فهو منذ تقديمه لكتاب "الموافقات" يلفت نظرنا إلى منهجه الاستقرائي المتين المبني على فهم الكتاب والسنة فيقول: "ولما بدا من مكنون السر ما بدا ووفق الله الكريم ملا شاء منه وهدى، لم أزل أقيد من أوابده، وأضم من شوارده تفاصيل وجملا، وأسوق من شواهده في مصادر الحكم وموارده مبينًا لا مجملًا، معتمدًا على الاستقراءات الكلية، غير مقتصر على الأفراد الجزئية، ومبينا أصولها النقلية بأطراف من القضايا العقلية، حسبما أعطته الاستطاعة والمنة، في بيان مقاصد الكتاب والسنة"3.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015