هذه هي الأمور التي تحدث في مشوار الحياة، وعند نهاية المطاف يقال: خرجت نفس فلان، أي روحه. قال تعالى: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها (?) ، وقال سبحانه: يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً (?) ، وقال تعالى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (?) ، وعند البعث ولقاء رب العالمين تقول النفس المفرطة:
أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ (?) .
وتأملوا قول الله عز وجل في وصف النفس الإنسانية أثناء الحياة وبعد الموت: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ. إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ. ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ. وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ. وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ.
وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ. لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (?) .
إذا أردنا أن نعلم مدى تكريم الله عز وجل لهذه النفس التي اشتقت منها كافة المعاني السالفة الذكر فما علينا إلا أن نسأل أنفسنا كيف يكون وضع هذه الحياة وهذا الكون لو أن الله عز وجل أراد- وهو على كل شيء قدير- أن يخلق هذا الإنسان ويجعله قادرا على العيش على تنفس الهواء فقط بدون الحاجة إلى الطعام أو الشراب، بل يتغذى على تنفس الهواء فقط مثلما كان يعيش في رحم أمه بدون أن يأكل أو يتنفس من رئتيه. ولو عاش الإنسان تحت ظروف هذا الافتراض ماذا سيكون حال الدنيا والكون المحيط به؟ لنتدبر سويا قول الله تعالى إِنَّ اللَّهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ، فالِقُ الْإِصْباحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ، وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ، وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ (?) .
في ظل ظروف هذا العالم الافتراضي نجد أنه لا حاجة لنا إلى غذاء وبالتالي لا حاجة إلى مزارع ولا مصانع غذاء ولا متاجر ولا مطاعم ولا مطابخ ولا ... ولا ... ، ولا وجدت حاجة لصيد أسماك البحر أو حيوانات البر أو طيور السماء وانقلب مفهوم الحياة رأسا على عقب واختلت موازين العمل واستجلاب المصلحة وانعدمت الحاجة إلى مواسم الزرع والحصاد وهجرة الطيور والأسماك وبالتالي يختل مفهوم الحياة من هنا يتضح لنا بجلاء معنى قوله تعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ (?) وعلاقة ذلك كله بدعوة الله عز وجل على لسان جميع الرسل للتأمل والتدبر والتفكر في آياته التي تؤدي إلى معرفة قدرته وعظمته ومن ثم الإيمان به وإخلاص العبادة له، سبحانه وتعالى هو القائل: سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُ
(?) .
إن لنا في رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أسوة حسنة في التفكّر في آلاء الله وتدبّر نعمه التي لا تحصى إذا كنا حقّا من الذين يستعملون عقولهم في تأمّل الدلائل الكونية، فقد روي عن عائشة- رضي الله عنها- أنها قالت: لما نزلت هذه الآية على النبي صلّى الله عليه وسلّم قام يصلي، فأتاه بلال يؤذنه بالصلاة، فرآه يبكي، فقال يا رسول الله: أتبكي وقد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر؟ فقال: «يا بلال، أفلا أكون عبدا شكورا؟ ولقد أنزل الله عليّ الليلة آية إِنَّ فِي خَلْقِ