لذا إذا تدبرنا معنى كلمة النفس في اللغة العربية لوجدناها مرتبطة بمراحل حياة الإنسان منذ تكوينه ومستقره قبل ولادته، وعند ولادته، وبمراحل حياته المختلفة، ثم بلحظة مماته وبعثه. وهذه السلسلة المترابطة من المعاني لا انفصام لها ولا تتوافر هذه الصلة أو هذا الاتصال في أي لغة أخرى، فالإنسان يخلق في رحم أمه (ومن عجائب خلقه) أنه يعيش تسعة أشهر في الرحم بدون أن «يتنفس» . ثم تنفسه أمه: أي تلده، فهي إذا في حالة النفاس، وتسمّى الوالدة نفساء. والمنفوس هو المولود، وفي الحديث: «ما من نفس منفوسة إلا وقد كتب الله مكانها من الجنة والنار، وإلا وقد كتبت شقيّة أو سعيدة» (?) .
وفي اللحظة التي تلده أمه بقدرة القادر سبحانه وتعالى يستمد المنفوس «النفس» ويصبح قادرا على التنفس، وقالوا: سميّت النفس نفسا لتولّد النفس منها واتصاله بها، وكما ترون فإن جميع معاني هذه الكلمات مشتقة من كلمة «نفس» .. أي النفس الإنسانية.
ولنتابع هذه التسلسل العجيب وهذه المعاني المترابطة، فما أن تولد هذه النفس وتتنفس حتى تصبح نفيسة، وكل شيء له خطر وقدر فهو نفيس، وإذا نفس الشيء ارتفع قدره وصار مرغوبا فيه، وقد رفع القرآن الكريم من شأن النفس وأهميتها فقال تعالى: مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً (?) .
وفي مجال الحياة فلكلمة النفس ومشتقاتها معاني عظيمة منها: النّفس: العظمة والكبر، والنّفس: العزة والهمة، والنفس: عين الشيء وكنهه وجوهره، ويعبر بها عن الإنسان جميعه (?) .
بعد ذلك يبدأ مشوار الحياة مع سنّة الحياة وهي التنافس بين البشر، يقال: تنافسا ذلك الأمر وتنافسا فيه أي تسابقا وتراغبا فيه على وجه المباراة والمنافسة، وفي القرآن الكريم: وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ (?) ، وفي التنافس والمنافسة لابد من فائز ومهزوم، فيقال لواحد: أنت في نفس من أمرك أي في سعة، وقد قيل: اعمل وأنت في نفس من أمرك أي فسحة وسعة قبل الهرم والأمراض والآفات، والتقط أنفاسه: استراح.
ويقال: نفّس الله عنه كربته، أي فرّجها، كما يقال: اللهم نفّس عني، أي فرّج عني ووسّع عليّ، وفي الحديث: «من سرّه أن ينجّيه الله من كرب يوم القيامة فلينفّس عن معسر، أو يضع عنه» (?) .
أما المحروم الذي يرى الفائز فقد يكون في نفسه أثر ورغبة فيحسد ويقال له النّفوس: أي العيون الحسود لأموال الناس ليصيبها، ويقال أصابت فلان نفس، أي عين حاسدة، ويقال: نفس عليك فلان ينفس نفسا ونفاسة أي حسدك. والنفس: العين، والنافس: العائن، والمعيون: المنفوس. وفي الحديث «نهى عن الرقية إلّا في النملة والخمة والنّفس» (?) . أي الإصابة بالعين.