وأبغضوه وعاداهم وعادوه وسار على جادة فينفر من ذلك أشد النفار وغايته أن يخلص في القدر اليسير من أعماله التي لا تتعلق بهم وسائر أعماله لغير الله.
وتريه صورة الصدق مع الله وجهاد من خرج عن دينه وأمره في قالب الانتصاب لعداوة الخلق وأذاهم وحربهم، وأنه يعرض نفسه لما لا يطيق من البلاء وأنه يصير غرضا لسهام الطاعنين، وأمثال ذلك من الشبه التي تقيمها النفس السحارة والخيالات التي تخيلها، وتريه حقيقة الجهاد في صورة تقتل فيها النفس وتنكح المرأة ويصير الأولاد يتامى ويقسم المال، وتريه حقيقة الزكاة والصدقة في صورة مفارقة المال ونقصه وخلو اليد منه واحتياجه إلى الناس ومساواته للفقير وعوده بمنزلته، وتريه حقيقة إثبات صفات الكمال لله في صورة التشبيه والتمثيل فينفر من التصديق بها وينفّر غيره، وتريه حقيقة التعطيل والإلحاد فيها صورة التنزيه والتعظيم.
وأعجب من ذلك أنها تضاهي ما يحبه الله ورسوله من الصفات والأخلاق والأفعال بما يبغضه منها، وتلبس على العبد أحد الأمرين بالآخر، ولا يخلص من هذا إلّا أرباب البصائر، فإن الأفعال تصدر عن الإرادات وتظهر على الأركان من النفسين الأمارة والمطمئنة فيتباين الفعلان في البطلان ويتشابهان في الظاهر، ولذلك أمثلة كثيرة منها المداراة والمداهنة فالأول من المطمئنة والثاني من الأمارة، وخشوع الإيمان وخشوع النفاق، وشرف النفس والتيه والحمية والجفاء، والتواضع والمهانة، والقوة في أمر الله والعلو في الأرض والحمية لله والغضب له، والحمية للنفس والغضب لها، والجود والسرف، والمهابة والكبر، والصيانة والتكبر، والشجاعة والجرأة، والحزم والجبن، والاقتصاد والشح، والاحتراز وسوء الظن، والفراسة والظن، والنصيحة والغيبة، والهدية والرشوة، والصبر والقسوة، والعفو والذل، وسلامة القلب والبله والغفلة، والثقة والغرة، والرجاء والتمني، والتحدث بنعم الله والفخر بها، وفرح القلب وفرح النفس، ورقة القلب والجزع، والموجدة والحقد، والمنافسة والحسد، وحب الرياسة وحب الإمامة والدعوة إلى الله، والحب لله والحب مع الله، والتوكل والعجز، والاحتياط والوسوسة، وإلهام الملك وإلهام الشيطان، والأناة والتسويف، والاقتصاد والتقصير، والاجتهاد والغلو، والنصيحة والتأنيب، والمبادرة والعجلة، والإخبار بالحال عند الحاجة والشكوى.
فالشيء الوحيد تكون صورته واحدة وهو منقسم إلى محمود ومذموم، كالفرح والحزن، والأسف والغضب، والغيرة والخيلاء، والطمع والتجمل، والخشوع، والحسد والغبطة، والجرأة والتحسر، والحرص والتنافس، وإظهار النعمة، والحلف، والمسكنة، والصمت والزهد، والورع والتخلي، والعزلة والأنفة، والحمية والغيبة، وفي الحديث أن من الغيرة ما يحبها الله ومنها ما يكرهه فالغيرة التي يحبها الله الغيرة في الريبة، والتي يكرهها الغيرة في غير ريبة (?) ، وأن من الخيلاء ما يحبه الله ومنها ما يكرهه، فالتي يحب الخيلاء في الحرب. وفي الصحيح أيضا لا حسد إلّا في اثنتين رجل آتاه الله مالا فسلطة على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها. وفي الصحيح أيضا أن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف (?) . وفيه أيضا من أعطى حظه من الرفق فقد أعطى حظه من