ويظنّون أنّهم يقيمون الصّلاة بأفضل ممّا يقيمها غيرهم، ولئن صدقوا فقد حملوا من الوزر ما أضاع أصل صلاتهم، فلا ينفعهم ما ظنّوه من الإنكار على غيرهم في ترك بعض السّنن أو المندوبات. وترى قوما آخرين يعتزلون مساجد المسلمين، ثمّ يتّخذون لأنفسهم مساجد أخرى، ضرارا وتفريقا للكلمة، وشقّا لعصا المسلمين. نسأل الله العصمة والتّوفيق، وأن يهدينا إلى جمع كلمتنا، إنّه سميع الدّعاء.

وهذا المعنى الّذي ذهب إليه الشّافعيّ لا يعارض حديث الباب (?) ، فإنّ الرّجل الّذي فاتته الجماعة لعذر، ثمّ تصدّق عليه أخوه من نفس الجماعة بالصّلاة معه- وقد سبقه بالصّلاة فيها- هذا الرّجل يشعر في داخلة نفسه كأنّه متّحد مع الجماعة قلبا وروحا، وكأنّه لم تفته الصّلاة. وأمّا النّاس الّذين يجمعون وحدهم بعد صلاة جماعة المسلمين فإنّما يشعرون أنّهم فريق آخر، خرجوا وحدهم، وصلّوا وحدهم.

وقد كان عن تساهل المسلمين في هذا، وظنّهم أنّ إعادة الجماعة في المساجد جائزة مطلقا-: أن فشت بدعة منكرة في الجوامع العامّة، مثل الجامع الأزهر والمسجد المنسوب للحسين- رضي الله عنه- وغيرهما بمصر، وبلاد أخرى، فجعلوا في المسجد الواحد إمامين راتبين أو أكثر، ففي الجامع الأزهر- مثلا- إمام للقبلة القديمة، وآخر للقبلة الجديدة، ونحو ذلك في مسجد الحسين- رضي الله عنه-؛ وقد رأينا فيه أنّ الشّافعيّة لهم إمام يصلّي بهم الفجر في الغلس، والحنفيّون لهم آخر يصلّي الفجر بإسفار، ورأينا كثيرا من الحنفيّة من علماء وطلّاب وغيرهم ينتظرون إمامهم ليصلّي بهم الفجر، ولا يصلّون مع إمام الشّافعيّن، والصّلاة قائمة، والجماعة حاضرة، ورأينا فيهما وفي غيرهما جماعات تقام متعدّدة في وقت واحد، وكلّهم آثمون، وهم يحسبون أنّهم يحسنون صنعا، بل قد بلغنا أنّ هذا المنكر كان في الحرم المكّيّ، وأنّه كان يصلّي فيه أئمّة أربعة، يزعمونهم للمذاهب الأربعة، ولكنّا لم نر ذلك، إذ لم ندرك هذا العهد بمكّة، وإنّما حججنا في عهد الملك عبد العزيز بن عبد الرّحمن آل السّعود- يرحمه الله- وسمعنا أنّه أبطل هذه البدعة، وجمع النّاس في الحرم على إمام واحد راتب، ونرجو أن يوفّق الله علماء الإسلام لإبطال هذه البدعة من جميع المساجد في البلدان، بفضل الله وعونه، إنّه سميع الدّعاء (?) .

[للاستزادة انظر: صفات: الألفة، الإخاء، التناصر، الاعتصام، التعاون على البر والتقوى، التعارف، حسن العشرة، حسن المعاملة.

وفي ضد ذلك انظر صفات التفرق، التخاذل، التنازع، التعاون على الإثم والعدوان، الفتنة، سوء المعاملة، سوء الخلق] .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015