وتأمّل ثناء الله سبحانه عليه في إكرام ضيفه من الملائكة حيث يقول سبحانه: هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ* إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ* فَراغَ إِلى أَهْلِهِ فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ* فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قالَ أَلا تَأْكُلُونَ (?) .
ففي هذا الثّناء على إبراهيم من وجوه متعدّدة ذكرها المؤلّف فلتراجع.
لقد جمعت هذه الآية آداب الضّيافة الّتي هي شرف الآداب، وما عداها من التّكلّفات الّتي هي تخلّف وتكلّف إنّما هي من أوضاع النّاس وعوائدهم وكفى بهذه الآداب شرفا وفخرا، فصلّى الله على نبيّنا وعلى إبراهيم وعلى آلهما وعلى سائر النّبيّين.
وقد شهد الله سبحانه بأنّه وفّى ما أمر به، فقال تعالى: أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِما فِي صُحُفِ مُوسى * وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى (?) . قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما-: وفّى جميع شرائع الإسلام، ووفّى ما أمر به من تبليغ الرّسالة. وقال تعالى: وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً (?) . فلمّا أتمّ ما أمر من الكلمات، جعله الله إماما للخلائق يأتمّون به.
وكان صلّى الله عليه وسلّم كما قيل: قلبه للرّحمن، وولده للقربان، وبدنه للنّيران، وماله للضّيفان.
وهو الّذي بنى بيت الله، وأذّن في النّاس بحجّه، فكلّ من حجّه واعتمره حصل لإبراهيم من مزيد ثواب الله وكرامته بعدد الحجّاج والمعتمرين. قال تعالى: وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى (?) . فأمر نبيّه صلّى الله عليه وسلّم وأمّته أن يتّخذوا من مقام إبراهيم مصلّى تحقيقا للاقتداء به، وإحياء آثاره صلّى الله على نبيّنا وعليه وسلّم.
ومناقب هذا الإمام الأعظم، والنّبيّ الأكرم أجلّ من أن يحيط بها كتاب، جعلنا الله ممّن ائتمّ به، ولا جعلنا ممّن عدل عن ملّته بمنّه وكرمه.