مكافيء، ولا يقطع على أحد حديثه، حتّى يجوز، فيقطعه بنهي أو قيام» .
وقوله: «من رآه بديهة هابه، ومن خالطه معرفة أحبّه» وصفه بصفتين خصّ الله بهما أهل الصّدق والإخلاص: وهما الإجلال والمحبّة، وكان قد ألقى عليه هيبة منه ومحبّة، فكان كلّ من يراه يهابه ويجلّه، ويملأ قلبه تعظيما وإجلالا، وإن كان عدوّا له، فإذا خالطه وعاشره، كان أحبّ إليه من كلّ مخلوق، فهو المجلّ المعظّم المحبوب المكرّم، وهذا كمال المحبّة أن تقرن بالتّعظيم والهيبة، فالمحبّة بلا تعظيم ولا هيبة ناقصة، والهيبة والتّعظيم من غير محبّة ناقصة كما تكون للغادر الظّالم نقصا أيضا، والكمال: أن تجتمع المحبّة والودّ، والتّعظيم والإجلال، وهذا لا يوجد إلّا إذا كان في المحبوب صفات الكمال الّتي يستحقّ أن يعظّم لأجلها، ويحبّ لأجلها.
ولمّا كان الله سبحانه وتعالى أحقّ بهذا من كلّ أحد، كان المستحقّ لأن يعظّم ويكبر ويهاب ويحبّ، ويودّ بكلّ جزء من أجزاء القلب، ولا يجعل له شريك في ذلك. وكلّ محبّة وتعظيم للبشر، فإنّما تجوز تبعا لمحبّة الله وتعظيمه، كمحبّة رسوله وتعظيمه، فإنّها من تمام مرسله وتعظيمه، فإنّ أمّته يحبّونه لحبّ الله له، ويعظّمونه ويجلّونه لإجلال الله له. فهي محبّة لله من موجبات محبّة الله وكذلك محبّة أهل العلم والإيمان، ومحبّة الصّحابة- رضي الله عنهم- وإجلالهم تابع لمحبّة الله ورسوله لهم.
والمقصود أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ألقى الله سبحانه وتعالى عليه منه المهابة والمحبّة، ولكلّ مؤمن مخلص حظّ من ذلك. قال الحسن البصريّ- رحمه الله-: إنّ المؤمن رزق حلاوة ومهابة، يعني يحبّ ويهاب ويجلّ بما ألبسه الله سبحانه من ثوب الإيمان المقتضي لذلك، ولهذا لم يكن بشر أحبّ إلى بشر ولا أهيب وأجلّ في صدره من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في صدر الصّحابة رضي الله عنهم.
قال عمرو بن العاص قبل إسلامه: إنّه لم يكن شخص أبغض إليّ منه، فلمّا أسلم، لم يكن شخص أحبّ إليه منه. ولا أجلّ في عينه منه، قال: ولو سئلت أن أصفه لكم، لما أطقت، لم أكن أملأ عينيّ منه إجلالا له (?) .
وقال عروة بن مسعود لقريش: «يا قوم والله لقد وفدت على كسرى وقيصر والملوك فما رأيت ملكا يعظّمه أصحابه ما يعظّم أصحاب محمّد محمّدا صلّى الله عليه وسلّم ما يحدّون النّظر إليه تعظيما له، وما تنخّم نخامة إلّا وقعت في كفّ رجل منهم فيدلّك بها وجهه وصدره، وإذا توضّأ، كادوا يقتتلون على وضوئه» (?) .
فلمّا كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مشتملا على ما يقتضي أن يحمد عليه مرّة بعد مرّة سمّي محمّدا، وهو اسم موافق