الواصل إلينا خبرها على التّواتر لكثرة رواتها واتّفاق معانيها على الاطّلاع على الغيب» (?) ومعجزات هذا الباب لا يمكن استقصاؤها لكثرتها ووقوعها منه صلّى الله عليه وسلّم في أكثر حالاته عن سؤال وغير سؤال في مناسبات تقتضيها وأحوال تستدعيها وهي أكثر أنواع معجزاته عددا.
ولهذا السّبب فإنّ أحاديث هذا الموضوع كثيرة جدّا لا يمكن حصرها.
والمغيّبات الّتي تغيّبها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على أقسام ثلاثة:
كإخباره عن القرون السّالفة والأمم البائدة، والشّرائع الدّاثرة ممّا كان لا يعلم منه القصّة الواحدة إلّا الفذّ من أحبار أهل الكتاب الّذي قطع عمره في تعلّم ذلك وقد كان أهل الكتاب كثيرا ما يسألونه تعنّتا وتعجيزا عن أخبار تلك القرون السّالفة. فينزل عليه من القرآن ما يتلو عليهم منه ذكرا كقصص الأنبياء مع قومهم وخبر موسى والخضر ويوسف وإخوته وأصحاب الكهف وذي القرنين. بالإضافة إلى ما جاءت به السّنّة المطهّرة من تفاصيل ودقائق عن أخبار تلك الأمم السّابقة والأنبياء السّابقين مع أقوامهم. وأشباه ذلك ممّا صدّقه فيه علمآؤهم ولم يقدروا على تكذيب ما ذكر منها بل أذعنوا لذلك فمن موفّق آمن بما سبق له من خير ومن شقيّ معاند حاسد.
وهو ما أخبر به صلوات الله وسلامه عليه من المغيّبات فوقع في أثناء حياته.
وهذه بعض نماذج للقسم الثّاني:
- فعن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه-؛ قال: انطلق سعد بن معاذ معتمرا، قال: فنزل على أميّة بن خلف أبي صفوان، وكان أميّة إذا انطلق إلى الشّام فمرّ بالمدينة نزل على سعد، فقال أميّة لسعد: ألا انتظر حتّى إذا انتصف النّهار وغفل النّاس انطلقت فطفت؟ فبينا سعد يطوف إذا أبو جهل، فقال: من هذا الّذي يطوف بالكعبة؟ فقال سعد: أنا سعد. فقال أبو جهل: تطوف بالكعبة آمنا وقد آويتم محمّدا وأصحابه؟ فقال: نعم.
فتلاحيا (?) بينهما. فقال أميّة لسعد: لا ترفع صوتك على أبي الحكم، فإنّه سيّد أهل الوادي. ثمّ قال سعد: والله لئن منعتني أن أطوف بالبيت لأقطعنّ متجرك بالشّام، قال فجعل أميّة يقول لسعد: لا ترفع صوتك وجعل يمسكه فغضب سعد فقال: دعنا عنك، فإنّي سمعت محمّدا صلّى الله عليه وسلّم يزعم أنّه قاتلك. قال: إيّاي؟ قال: نعم. قال: والله ما يكذب محمّد إذا حدّث. فرجع إلى امرأته فقال: أما تعلمين ما قال لي أخي اليثربي؟ قالت وما قال؟ قال: زعم أنّه