المطافيل. قد لبسوا جلود النّمور يعاهدون الله أن لا تدخلها عليهم عنوة أبدا. وايم الله لكأنّي بهؤلاء قد انكشفوا عنك غدا. قال: وأبوبكر الصّدّيق- رضي الله تعالى عنه- خلف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قاعد فقال: امصص بظر اللّات. أنحن ننكشف عنه؟ قال: من هذا يا محمّد؟ قال: هذا ابن أبي قحافة. قال: أما والله لولا يد كانت لك عندي لكافأتك بها ولكن هذه بها. ثمّ تناول لحية رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- والمغيرة بن شعبة واقف على رأس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الحديد- قال يقرع يده ثمّ قال: امسك يدك عن لحية رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قبل- والله- لا تصل إليك. قال: ويحك ما أفظّك وأغلظك؟
قال: فتبسّم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال: من هذا يا محمّد؟
قال: هذا ابن أخيك المغيرة بن شعبة قال؟ أغدر. هل غسلت سوأتك إلّا بالأمس؟ قال: فكلّمه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بمثل ما كلّم به أصحابه فأخبره أنّه لم يأت يريد حربا. قال: فقام من عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقد رأى ما يصنع به أصحابه: لا يتوضّأ وضوءا إلّا ابتدروه، ولا يبسق بساقا إلّا ابتدروه، ولا يسقط من شعره شيء إلّا أخذوه. فرجع إلى قريش فقال: يا معشر قريش إنّي جئت كسرى في ملكه وجئت قيصر والنّجاشيّ في ملكهما، والله ما رأيت ملكا قطّ مثل محمّد في أصحابه، ولقد رأيت قوما لا يسلمونه لشيء أبدا فروا رأيكم.
قال: وقد كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قبل ذلك بعث خراش بن أميّة الخزاعيّ إلى مكّة وحمله على جمل له يقال له الثّعلب، فلمّا دخل مكّة عقرت به قريش وأرادوا قتل خراش فمنعهم الأحابيش حتّى أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فدعا عمر ليبعثه إلى مكّة فقال: يا رسول الله إنّي أخاف قريشا على نفسي وليس بها من بني عديّ أحد يمنعني، وقد عرفت قريش عداوتي إيّاها وغلظتي عليها، ولكن أدلّك على رجل هو أعزّ منّي، عثمان بن عفّان. قال:
فدعاه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فبعثه إلى قريش يخبرهم أنّه لم يأت لحرب، وأنّه جاء زائرا لهذا البيت معظّما لحرمته.
فخرج عثمان حتّى أتى مكّة، ولقيه أبان بن سعيد بن العاص فنزل عن دابّته، وحمله بين يديه وردف خلفه، وأجاره حتّى بلّغ رسالة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فانطلق عثمان حتّى أتى أبا سفيان وعظماء قريش فبلّغهم عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما أرسله به. فقالوا لعثمان: إن شئت أن تطوف بالبيت فطف به. فقال: ما كنت لأفعل حتّى يطوف به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال فاحتبسته قريش عندها فبلغ رسول الله والمسلمين أنّ عثمان قد قتل. قال محمّد:
فحدّثني الزّهريّ أنّ قريشا بعثوا سهيل بن عمرو أحد بني عامر بن لؤيّ، فقالوا: ائت محمّدا فصالحه، ولا يكون في صلحه إلّا أن يرجع عنّا عامه هذا، فو الله لا تتحدّث العرب أنّه دخلها علينا عنوة أبدا. فأتاه سهيل ابن عمرو فلمّا رآه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: قد أراد القوم الصّلح حين بعثوا هذا الرّجل. فلمّا انتهى إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تكلّما، وأطالا الكلام، وتراجعا حتّى جرى بينهما الصّلح. فلمّا التأم الأمر، ولم يبق إلّا الكتاب وثب عمر ابن الخطّاب فأتى أبا بكر فقال: يا أبابكر أو ليس برسول الله صلّى الله عليه وسلّم أو لسنا بالمسلمين أو ليسوا بالمشركين؟
قال بلى. قال فعلام نعطي الذّلّة في ديننا؟ فقال أبو بكر: يا عمر الزم غرزه حيث كان؛ فإنّي أشهد أنّه