من تلقاء أنفسهم، يقول القرطبيّ: وذلك أنّهم (النّصارى) حملوا أنفسهم على المشقّات في الامتناع من المطعم والمشرب والنّكاح والتّعلّق بالكهوف والصّوامع، وذلك أنّ ملوكهم غيّروا وبدّلوا، وبقي نفر قليل فترهّبوا وتبتّلوا، وقال قتادة: الرهبانيّة الّتي ابتدعوها: رفض النّساء واتّخاذ الصّوامع، وهذه الآية دالّة على أنّ كلّ محدثة بدعة، فينبغي لمن ابتدع خيرا أن يدوم عليه ولا يعدل عنه إلى ضدّه (?) .

الابتداع اصطلاحا:

قال الجرجانيّ: الإبداع والإبتداع: إيجاد شيء غير مسبوق بمادّة ولا زمان (?) .

والبدعة: هي الفعلة المخالفة للسّنّة (?) .

وقال الرّاغب: البدعة: إيراد قول لم يستنّ قائله وفاعله فيه بصاحب الشّريعة وأماثلها المتقدّمة وأصولها المتقنة (?) .

وقال التّهانويّ: المبتدع: من خالف أهل السّنّة اعتقادا، والمبتدعون يسمّون بأهل البدع وأهل الأهواء.

وهي ما أحدث على خلاف أمر الشّارع ودليله العامّ أو الخاصّ، وقيل: هي اعتقاد ما أحدث على خلاف المعروف عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، لا بمعاندة بل بنوع شبهة (?) .

قال الشّاطبيّ- رحمه الله تعالى-: البدعة: طريقة في الدّين مخترعة تضاهي الشّرعيّة يقصد بالسّلوك عليها المبالغة في التّعبّد لله- سبحانه-.

وقيل: طريقة في الدّين مخترعة تضاهي الشّرعيّة يقصد بالسّلوك عليها ما يقصد بالطّريقة الشّرعيّة (?) .

وقيل البدعة: إيراد قول أو فعل لم يستنّ قائلها ولا فاعلها فيه بصاحب الشّريعة (?) .

أقسام البدعة:

إنّ الابتداع المنهيّ عنه يراد به: إحداث بدعة ضلالة، ذلك أنّ البدعة في اللّغة قد يراد منها مطلق إحداث أمر لم يكن موجودا على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومن ثمّ قسّم الشّافعيّ- رحمه الله- البدعة إلى قسمين:

البدعة الضّالّة: ويراد بها ما أحدث وخالف كتابا أو سنّة أو إجماعا أو أثرا.

البدعة المحمودة: ما أحدث من الخير ولم يخالف شيئا من ذلك (?) . والأصل في هذا ما روي عن عمر- رضي الله عنه- في قيام رمضان «نعمت البدعة هذه» ولهذا قال ابن الأثير: البدعة بدعتان:

بدعة ضلالة، وبدعة هدى، فما كان في خلاف ما أمر به الله ورسوله فهو البدعة الضّالّة الّتي هي مناط الذّمّ والإنكار، وما كان واقعا تحت عموم ما ندب الله إليه وحضّ عليه الله ورسوله فهو بدعة هدى، وهي في حيّز المدح، ولا يجوز أن يكون ذلك في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015