المبدع في البحث عن الأفضل، ولعلّ أوضح الأمثلة الّتي تحثّ على ذلك ما حدث قبل غزوة بدر عندما أخبر الرّسول صلّى الله عليه وسلّم أنّ الله وعده إحدى الطّائفتين:
العير أو النّفير، وقد مال الاتّجاه العامّ أوّل الأمر إلى الحلّ الأقلّ خطرا، والأكثر فائدة، ولكنّ الله عزّ وجلّ كان يريد أكثر الحلول تأثيرا وأعظمها شرفا، وأقدرها على حسم النّزاع بين الشّرّ والباطل، وقد كان، وهكذا فقد دعا الإسلام أتباعه إلى أن يبتغوا في سلّم الأعمال أسماها وأقواها تأثيرا (?) ، ثمّ خلص إلى القول إلى: أنّ العناصر الّتي يتكوّن منها الجهد المبدع هي: الاختيار الإراديّ، والاختيار الصّالح، والاختيار الأفضل، فالعنصر الأوّل هو روح الأخلاق بعامّة، والثّاني يقدّم إلى كلّ نوع من الأخلاق الخاصّة نوعيّتها المختلفة، وأمّا الثّالث فهو الّذي يتمّ عمل الاثنين ويكمله (?) .
إنّ كلمة «الأفضل» (ومن ثمّ وصف عمل ما بهذا الوصف وإطلاق لقب الفاضل على صاحبه) لا ينبغي أن تؤخذ على أساس أنّها صيغة الحدّ الأعلى، بل على أساس المقارنة، لأنّ المستوى الّذي يندب جهد كلّ إنسان إلى أن يبلغه (ليكون فاضلا) ليس هو الدّرجة الحدّيّة الّتي تقع فوق التّكليف، وإنّما في هذا الامتداد المتراحب الّذي يتّسع لتنافس كلّ النّاس، حيث يدعى كلّ واحد منهم إلى أن يرتقي بالتّدريج، من نقطة لاخرى، بحسب قدراته، ومع مراعاة ما بقي من تكاليفه (?) .
قال ابن الجوزيّ: الأصل في الفضل: الزّيادة، ويستعار في مواضع تدلّ عليها القرينة، وقد ذكر أهل التّفسير أنّ الفضل في القرآن الكريم على ثمانية أوجه:
الأوّل: الإنعام بالإسلام كما في قوله تعالى:
قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ (آل عمران/ 73) .
الثّاني: الإنعام بالنّبوّة، ومنه قوله عزّ وجلّ وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً
(النساء/ 113) .
الثّالث: الرّزق في الدّنيا، ومنه قوله سبحانه:
وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ (الجمعة/ 10) .
الرّابع: الرّزق في الجنّة، ومنه قول الله عزّ وجلّ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ (آل عمران/ 171) .
الخامس: الجنّة ومنه قوله تعالى: وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيراً (الأحزاب/ 47) .
السّادس: المنّة والنّعمة، ومن ذلك قول الله عزّ وجلّ ذلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنا وَعَلَى النَّاسِ (يوسف/ 38) .
السّابع: الخلف (ممّا ينفق في سبيل الله) (?) ،