وبهذا يكون الداعية من الذين اتبعوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهو بذلك يحمل برهان حب الله له قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ (?) ، وإذا أحب الله العبد حبب فيه الناس، ووضع له القبول في الأرض مصداق ذلك ما جاء في الحديث الشريف: «إن الله إذا أحب عبدا دعا جبريل فقال: إني أحب فلانا فأحبه، قال: فيحبه جبريل ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، قال: ثم يوضع له القبول في الأرض» (?) .

فإذا ربّى الإنسان نفسه على حب الرسول صلّى الله عليه وسلّم واتباعه، توجه إلى أهله وأبنائه وعشيرته الأقربين فدعاهم لما يحييهم ويضمن لهم الفوز في الدنيا والآخرة، ثم توجه بالدعوة بعد ذلك لكل من يستطيع دعوتهم. وهذا هو عين الخير وحسن الخلق وكمال الإيمان، وثمرة ذلك كله هو القرب من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في جنة النعيم لقوله صلّى الله عليه وسلّم:

«إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا» (?) .

ولكي تؤتي هذه الدعوة ثمارها المرجوة فإن على الدعاة أن يتأسوا برسول الله صلّى الله عليه وسلّم في:- أ- أن تكون الدعوة على بصيرة وعلم، يقول الله تعالى:

قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي (?) .

قيل في تفسير البصيرة هي اليقين والحق (?) . وهذه البصيرة إنما تتحقق بالتفقه في الدين، الذي هو دليل إرادة الخير للداعية، حيث يقول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين» (?) .

ب- أن تكون بالحكمة والموعظة الحسنة، مصداقا لقوله تعالى:

ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ (?) .

حيث حثه ربه على أن يدعو إلى دين الله وشرعه بتلطف ولين دون مخاشنة وتعنيف، وهكذا ينبغي أن يوعظ المسلمين إلى يوم القيامة (?) ، ويقول الله تعالى لنبيه الكريم صلّى الله عليه وسلّم: وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ (?) .

هي إذن موسوعة للدعوة، ومنهاج للدعاة تزودهم بالبصيرة وتمدهم بالحكمة من أفعال الرسول صلّى الله عليه وسلّم وأقواله وتوجيهاته، وهي في الوقت نفسه موسوعة لتربية النفوس، وتربية الأجيال على الإيمان الصادق والإسلام الصحيح، والإحسان المرجو، وبعبارة أوجز هي موسوعة «التربية الدينية» الصحيحة لأنها تعتمد على ما جاء به القرآن الكريم ودعت إليه السّنّة النبوية المطهرة. لذا كان من الوضوح بمكان تفسير قوله تعالى لنبيه المصطفى صلّى الله عليه وسلّم:

وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015