الأمة، وعرفوا اختلاف طباعها، وتفاوت عقولها، فجبروا كسرها، ورفقوا بضعيفها، وأحسنوا التعاهد لها، فيكون تحملهم لمشقة ذلك أسهل مما لو كلفوا القيام بذلك من أول وهلة لما يحصل لهم من التدريج على ذلك برعي الغنم، وخصت الغنم بذلك لكونها أضعف من غيرها، ولأن تفرقها أكثر من تفرق الإبل والبقر لإمكان ضبط الإبل والبقر بالربط دونها في العادة المألوفة، ومع أكثرية تفرقها فهي أسرع انقيادا من غيرها» (?) .
وشهد محمد صلّى الله عليه وسلّم في شبابه حين بلغ العشرين من عمره حلف الفضول الذي تداعى زعماء قريش لعقده وتواثقوا بينهم ألّا يجدوا بمكة مظلوما إلّا نصروه، ولا صاحب حق مسلوب إلّا أعادوا إليه حقه، وسبب عقد هذا الحلف أن رجلا من زبيد باع سلعة للعاص بن وائل السهمي فمطله في الثمن، فشكا الزبيدي إلى قبائل قريش والأحلاف فلم يلتفتوا إليه، فوقف عند الكعبة وأنشد بأعلى صوته قائلا:
يا آل فهر لمظلوم بضاعته ... ببطن مكّة نائي الدّار والنّفر
ومحرم أشعث لمّا يقض عمرته ... يا للرّجال، وبين الحجر والحجر
إنّ الحرام لمن تمّت كرامته ... ولا حرام بثوب الفاجر الغدر
فأثار هذا الشعر نخوة الزبير بن عبد المطلب (عم الرسول صلّى الله عليه وسلّم) ، فنادى زعماء قريش فاجتمع بنو هاشم وبنو المطلب وبنو أسد بن عبد العزى وبنو زهرة بن كلاب وبنو تيم، في دار عبد الله بن جدعان، وتم عقد هذا الحلف الذي حضره محمد صلّى الله عليه وسلّم قبل بعثته (?) . وقد أشاد به بعد نبوته فقال صلّى الله عليه وسلّم: «لقد شهدت مع عمومتي حلفا في دار عبد الله بن جدعان ما أحبّ أنّ لي به حمر النّعم» (?) .
لم يثبت أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قد شهد حرب الفجار التي حصلت بين قريش وكنانة من جهة، وقيس عيلان من جهة أخرى وهي من الحروب التي حصلت في إطار الأحلاف والأعراف الجاهلية (?) .
أما حلف المطيبين فقد ثبت أنه صلّى الله عليه وسلّم قد أخبر عن شهوده وأثنى عليه بقوله صلّى الله عليه وسلّم: «شهدت حلف المطيّبين مع عمومتي وأنا غلام فما أحبّ أنّ لي به حمر النّعم وأنّي أنكثه» (?) . وقد عقد الحلف في دار عبد الله بن جدعان