كنت أرى أثر المخيط في صدره (?) .

ولا شك في أن التطهير من حظ الشيطان هو إرهاص مبكر للنبوّة، وإعداد للعصمة من الشر وعبادة غير الله. فلا يحل في قلبه شيء إلّا التوحيد، وقد دلت أحداث صباه على تحقق ذلك، فلم يرتكب إثما، ولم يسجد لصنم. أما معجزة شق الصدر الثانية فكانت ليلة الإسراء (?) .

وتوفيت أمه آمنة بالأبواء بين مكة والمدينة وهو في السادسة من عمره (?) . وقد ترك يتم النبي صلّى الله عليه وسلّم في نفسه أعمق الأثر فكان قد ولد يتيم الأب، ثم فقد أمه في طفولته، وقد بيّن الزهري أن جده عبد المطلب كفله ورعاه (?) ، غير أن جده ما لبث أن توفّي، بعد أن أوصى ولده أبا طالب برعايته (?) . وكان صلّى الله عليه وسلّم قد بلغ الثامنة، ولا شك في أن أثر ذلك كان كبيرا على أحاسيسه، لما كان يحبوه به جده من العطف والرعاية (?) .

وقد وردت روايات تفيد عطف أبي طالب عليه وتعلقه به، ومما يدل على شدة محبة أبي طالب إياه صحبته له في رحلته إلى الشام (?) . ولعل ضيق حال عمه أبي طالب قد دفعه صلّى الله عليه وسلّم إلى العمل لمساعدته فرعى له غنمه، كما رعى لأهل مكة على قراريط (?) .

حياة العمل والكدح:

عمد محمد صلّى الله عليه وسلّم منذ أن أضحى يعيش في كنف عمه أبي طالب إلى مساعدته، ولا سيّما أن أبا طالب كان في أشد الحاجة للمساعدة لفقره وكثرة عياله، فاشتغل برعي الأغنام في شعاب مكة وفجاجها. وقد ثبت في الحديث الصحيح قيامه بهذا العمل، حيث روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال:

«ما بعث الله نبيّا إلّا رعى الغنم» . فقال أصحابه: وأنت؟ فقال: «نعم، كنت أرعاها على قراريط لأهل مكّة» (?) .

وفي رعي الغنم ما فيه من تهيئة الله سبحانه وتعالى لنبيه لتلقي الرسالة والقيام بأمر الدعوة. ويورد الحافظ ابن حجر في شرحه للحديث خلاصة أقوال العلماء في ذلك فيقول: «الحكمة في إلهام الأنبياء من رعي الغنم قبل النبوة أن يحصل لهم التمرن برعيها على ما يكفلونه من القيام بأمر أمتهم، ولأن في مخالطتها ما يحصّل لهم الحلم والشفقة لأنهم إذا صبروا على رعيها وجمعها بعد تفرقها في المرعى، ونقلها من مسرح إلى مسرح، ودفع عدوها من سبع وغيره، كالسارق، وعلموا اختلاف طباعها وشدة تفرقها، مع ضعفها واحتياجها إلى المعاهدة، ألفوا من ذلك الصبر على

طور بواسطة نورين ميديا © 2015