ويقول جرير بن عبد الله: ما حجبني رسول الله منذ أسلمت، ولا رآني إلا تبسم، كان يمازح أصحابه ويخالطهم ويحادثهم، ويداعب صبيانهم، ويجلسهم في حجره، ويجيب دعوة الحر والأمة والمسكين، يعود المرضى في أقصى المدينة، ويقبل عذر المعتذر» (?) .
وكان «يبدأ من لقيه بالسلام، ويبدأ أصحابه بالمصافحة، ولم ير قط مادّا رجليه بين أصحابه حتى يضيق بهما على أحد، يكرم من يدخل عليه، وربما بسط له ثوبه ويؤثره بالوسادة التي تحته، ويعزم عليه في الجلوس عليها إن أبي ويكني أصحابه، ويدعوهم بأحب أسمائهم تكرمة لهم، ولا يقطع على أحد حديثه حتى يتجوّز فيقطعه بنهي أو قيام» (?) .
وقد وصف القرآن محمدا صلّى الله عليه وسلّم: عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (?) . فهو رءوف ورحيم، وشفيق، ومن شفقته على الأمة «تخفيفه وتسهيله عليهم وكراهته أشياء مخافة أن تفرض عليهم كقوله: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء» (?) . وكذا خبر صلاة الليل، ونهيه عن الوصال، وكراهته دخول الكعبة لئلا يعنت أمته، ورغبته لربه أن يجعل سبّه ولعنه رحمة بهم، وأنه كان يسمع بكاء الصبي فيتجوز في صلاته (?) .
والشواهد على ذلك كثيرة، فقد كان صلّى الله عليه وسلّم وفيا لعهده، حسن العهد، يقول: «إن حسن العهد من الإيمان» ، وكان يصل ذوي رحمه من غير أن يؤثرهم على من هم أفضل منهم (?) .
والآثار المروية عنه صلّى الله عليه وسلّم في هذا المجال كثيرة، لم يكن يحب أن يعظمه الناس، فقد خرج ذات يوم متكئا على عصا فقام له الناس، فقال: «لا تقوموا كما يقوم الأعاجم يعظّم بعضهم بعضا» (?) .
وعن أنس- رضي الله عنه- قال: «جاء رجل إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا خير البرية، فقال: رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ذاك