ويرغب في نوافل الخير، ويترك كثيرا من المباح لوجهه تعالى وتقدّس، إذا رأى أنّ تركه أقرب إلى العبوديّة من فعله مستبشرا لذلك، غير ضجر منه، ولا متعسّر به» .
أمّا في المعاملات بين النّاس فهو «أن يكون سمحا لحقوقه، لا يطالب غيره بها، ويوفي ما يجب لغيره عليه منها، فإن مرض ولم يعد، أو قدم من سفر فلم يزر، أو سلّم فلم يردّ عليه، أو ضاف فلم يكرم، أو شفع فلم يجب، أو أحسن فلم يشكر، أو دخل على قوم فلم يمكّن، أو تكلّم فلم ينصت له، أو استأذن على صديق فلم يؤذن له، أو خطب فلم يزوّج، أو استمهل الدّين فلم يمهل، أو استنقص منه فلم ينقص، وما أشبه ذلك ولم يغضب، ولم يعاقب، ولم يتنكّر من حاله حال، ولم يستشعر في نفسه أنّه قد حفي وأوحش، وأنّه لا يقابل كلّ ذلك إذا وجد السّبيل إليه بمثله، بل يضمر أنّه لا يعتدّ بشيء من ذلك، ويقابل كلّا منه بما هو أحسن وأفضل وأقرب منه إلى البرّ والتّقوى، وأشبه بما يحمد ويرضى، ثمّ يكون في إيفاء ما يكون عليه، كهو في حفظ ما يكون له، فإذا مرض أخوه المسلم عاده، وإن جاء في شفاعة شفّعه، وإن استمهله في قضاء دين أمهله، وإن احتاج منه إلى معونته أعانه، وإن استسمحه في بيع سمح له، ولا ينظر إلى أنّ الّذي يعامله كيف كانت معاملته إيّاه فيما خلا، وكيف يعامل النّاس، إنّما يتخّذ الأحسن إماما لنفسه، فينحو نحوه ولا يخالفه» (?) .
وقال الماورديّ- رحمه الله-: حسن الخلق، أن يكون سهل العريكة، ليّن الجانب، طلق الوجه، قليل النّفور، طيّب الكلمة (?) .
حقيقة حسن الخلق وأركانه:
وحقيقته أنّه لصورة الإنسان الباطنة وهي نفسه، وأوصافها ومعانيها المختصّة بها بمنزلة الخلق لصورتها الظّاهرة وأوصافها ومعانيها، ولها أوصاف حسنة وقبيحة.
والثّواب والعقاب يتعلّقان بأوصاف الصّورة الباطنة أكثر ممّا يتعلّقان بأوصاف الصّورة الظّاهرة، ولذا تكرّرت الأحاديث في مدح حسن الخلق وذمّ سوءه (?) .
وقال أحدهم: حسن الخلق قسمان: أحدهما مع الله- عزّ وجلّ- وهو أن تعلم أنّ كلّ ما يكون منك يوجب عذرا، وأنّ كلّ ما يأتي من الله يوجب شكرا، فلا تزال شاكرا له معتذرا إليه سائرا إليه بين مطالعة منّته وشهود عيب نفسك وأعمالك.
والثّاني: حسن الخلق مع النّاس: وجماعه أمران: بذل المعروف قولا وفعلا، وكفّ الأذى قولا وفعلا. وهذا إنّما يقوم على أركان خمسة: العلم والجود