وقال الجرجاني: «الخلق عبارة عن هيئة للنفس راسخة تصدر عنها الأفعال بسهولة ويسر من غير حاجة إلى فكر وروية، فإن كان الصادر عنها الأفعال الحسنة كانت الهيئة خلقا حسنا، وإن كان الصادر منها الأفعال القبيحة سمّيت الهيئة التي هي مصدر ذلك خلقا سيئا، وإنما قلنا إنه هيئة راسخة لأن من يصدر منه بذل المال على الندور بحالة عارضة لا يقال خلقه السخاء ما لم يثبت ذلك في نفسه» (?) .

مفهوم الأخلاق عند ابن تيمية:

ومفهوم الأخلاق عند ابن تيمية مرتبط بمفهوم الإيمان، وما ينبثق عنه حيث إنه يقوم على عدة عناصر هي:

1- الإيمان بالله وحده خالقا، ورازقا بيده الملك (توحيد الربوبية) .

2- معرفة الله سبحانه وتعالى، معرفة تقوم على أنه وحده- سبحانه- المستحق للعبادة (توحيد الألوهية) .

3- حبّ الله سبحانه وتعالى حبّا يستولي على مشاعر الإنسان، بحيث لا يكون ثمة محبوب مراد سواه سبحانه.

4- وهذا الحب، يسلتزم أن يتجه الإنسان المسلم نحو هدف واحد هو تحقيق رضا الله سبحانه، والالتزام بتحقيق هذا الرضا في كل صغيرة وكبيرة من شئون الحياة.

5- وهذا الاتجاه يستلزم من الإنسان سموّا عن الأنانية وعن الأهواء، وعن المآرب الدّنيا، الأمر الذي يتيح له تحقيق الرؤية الموضوعية والمباشرة لحقائق الأشياء، أو الاقتراب منها، وهذه شروط جوهرية في الحكم الخلقي.

6- وعندما تتحقق الرؤية المباشرة والموضوعية للأشياء والحقائق، يكون السلوك والعمل خلقا من الدرجة الأولى.

7- وعندما يكون العمل خلقا من الدرجة الأولى، نكون ماضين في طريق تحقيق، أو بلوغ الكمال الإنساني (?) .

وهذا المنهج الذي سلكه ابن تيمية في تحديد مفهوم الأخلاق الإسلامية يعتبر جديدا، كما اتضح ذلك من دراسة «النظرية الخلقية عند ابن تيمية» ،.

إن ابن تيمية كان أوفى، وأكمل، وأكثر نضجا ممن سبقه من علماء المسلمين أو غيرهم في هذا المضمار، وذلك لأن التصور النظري للأخلاق لدى هؤلاء العلماء والفلاسفة جميعا، فيه من الثغرات وعليه من المآخذ ما يجعل من هذا التصور فكرة ناقصة، بل عاجزة عن تحقيق الكمال الإنساني، وفي التصور الإسلامي للأخلاق لدى ابن تيمية نرى الارتباط الوثيق بين مفهوم الأخلاق، ومفهوم الإيمان الذي حدّده الإسلام، وما ينبثق عنه من نظام في العبادة، يكمن في التصور الخلقي الصحيح، ففي الإيمان وطرائقه، وآفاقه تستطيع النفس الإنسانية أن تجد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015