الذي يعكس أهداف المجتمع، ومصادر تكوينه وطبيعة بنائه.

والمجتمع الإسلامى له أخلاقه التى تضبط وتحدد السلوك، بمعنى أن له بناءه المعيارى، الذي نبع فى الأساس من المصدرين الأساسيين: القرآن والسنة المطهرة، فالقرآن بما أتى به من مكارم الأخلاق التي تجسدت فى شخص الرسول الكريم وترجمت فى أقواله وأفعاله هى المصدر الأساسى المعتمد للقيم فى المجتمع الإسلامي.

إلا أن هذا المجتمع يعيش- فى الأزمنة المعاصرة- مشكلات متراكمة مستعصية، أبرزها تردده بين قطبين، فهو ينجذب نحو حياة معاصرة بما فيها من إنجازات مادية وفكرية لابد أن يتعايش معها ويفهمها ويعيها من ناحية، وتشده ذات متأصلة أصيلة لا يمكنه الفكاك منها من ناحية أخرى، وقد سحبت هذه الإشكالية- بالذات- ظلالها على كافة مكونات حياة الإنسان المسلم المعاصر، بما فى ذلك عماد حياته وهو القيم الخلقية، حتى غدت الشغل الشاغل للمفكرين المسلمين، وكما عبر عن ذلك أحد مفكريها بقوله: «ولعل أكبر قضية تواجهنا هى انقطاع صلتنا بمصادرنا الحضارية التى نستمد منها كل عاداتنا وتقاليدنا، ومسلكنا الخاص والعام، فعلاقتنا بتراثنا علاقة تقليد سالب يتوارثه الخلف عن السلف، ولذا جمدت شخصيتنا، وجمد النظر إلى تراثنا الذى هو بمثابة السياج لتحركنا الفردى والجماعي، لأننا نتدراسه ولا نتأمله ولا نجيل فيه النظر، ولا نجرى فيه من التحوير والتطوير بما يتلاءم وتغير الأحوال والظروف، فظلّ حبيس الكتب فى معظم الأحوال، وحبيس الذاكرة فى بعضها لقرون طويلة» (?) .

إن الغزوة الاستعمارية أبدلت المثقفين ثقافة بثقافة، ولهذا ظل تراثنا بعيدا عن الحياة الفاعلة، وانقطعت عقول المفكرين عن التعامل معه وإخصابه بالتأمل والاجتهاد والتلاقح بتيارات الفكر المعاصر، وبالتالى فقدت كل المؤسسات الاجتماعية المنبثقة عنه حيويتها وانفعالها، وفعاليتها، وجفت صلتها بالحياة، ومن ثم أهملت لتحل محلها مؤسسات وأفكار أخرى كان من نتيجتها ازدواجية فى الحياة وفى الفكر انعكست آثارها على حياة المجتمع والأفراد» (?) .

إن أبعاد هذه الإشكالية وآثارها واسعة عريضة، وفى مجال الأخلاق على وجه الخصوص، ولذا فإنه من الملح الآن وللمستقبل القريب والبعيد، وبعد معايشة التجارب، تلمس بناء تربويا يستند على أهداف قوية وصحيحة وسليمة، تستلهم قيم الأمة، القائمة على أصالة حقيقية تمتلك من مقومات الذات الأصيلة روحها فى غير انغلاق أو حرمان من إمكانيات العصر ومقوماته وثماره، ولا بد من إعادة القيم الخلقية الإسلامية إلى مكانها الصحيح، فى إطار التكامل بين الدين والدنيا، لتحقيق الوسطية التى هي حقيقة الإسلام، لأنه إذا انفصل الدين

طور بواسطة نورين ميديا © 2015