ويفهم من كلام الفيروز ابادي وغيره أنّ الفعل «تناذر «يستعمل متعدّيا بنفسه كما في بيتي النّابغة والخنساء، وقد يستعمل لازما كما في قولهم: «تناذر القوم» أي أنذر بعضهم بعضا، أمّا الفعل: أنذر فإنّه يتعدّى إلى مفعوليه إمّا بالباء كما في قولهم: أنذرتهم به، أو بنفسه كما في قولهم: أنذرته إيّاه، وأمّا الثّلاثي نذر فإنّه لا يتعدّى إلّا بالباء الجارّة كقولهم: نذر القوم بالعدوّ (?) .
وقال ابن منظور: يقال: نذر بالشّيء وبالعدوّ:
علمه فحذره، وأنذره بالأمر إنذارا (المصدر) ، ونذرا (اسم المصدر) ، ونذيرا (اسم مصدر أيضا) ، وفي التنزيل العزيز: فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ (الملك/ 17) معناه فكيف كان إنذاري (?) .
وقول الله عزّ من قائل: عُذْراً أَوْ نُذْراً (المرسلات/ 6) قرئت: «عذرا أو نذرا» قال الزّجّاج معناها المصدر وقد انتصبا على المفعول له (لأجله) ، والمعنى فالملقيات ذكرا للإعذار أو الإنذار.. والنّذير:
المحذّر، فعيل بمعنى مفعل، والجمع نذر، وقول الله عزّ وجلّ-: وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ (فاطر/ 37) ، قال ثعلب: هو الرّسول صلّى الله عليه وسلّم، وقال أهل التّفسير (?) : يعني النّبيّ، كما قال عزّ من قائل: إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (الأحزاب/ 45) ، وقال بعضهم:
النّذير هنا الشّيب ورجّح الأزهريّ الرّأي الأوّل، ويقال: أنذرت القوم سير العدوّ إليهم فنذروا أي أعلمتهم ذلك فعلموا وتحرّزوا (?) . ومن أمثال العرب:
«قد أعذر من أنذر» أي من أعلمك أنّه يعاقبك على المكروه منك فيما يستقبل، ثمّ أتيت المكروه فعاقبك فقد جعل لنفسه عذرا يكفّ به لائمة النّاس عنه، والعرب تقول: عذراك لانذراك، أي أعذر ولا تنذر- والنّذير العريان رجل من خثعم (?) ، حمل عليه يوم ذي الخلصة عوف بن عامر فقطع يده ويد امرأته، وقيل:
هو الزّبير بن عمرو الخثعميّ وكان ناكحا في بني زبيد، فأرادت بنو زبيد أن يغيروا على خثعم فخافوا أن ينذر قومه فألقوا عليه براذع وأهداما واحتفظوا به فصادف غرّة ففلت منهم وأتى قومه فقال:
أنا المنذر العريان ينبذ ثوبه ... إذا الصّدق لا ينبذ لك الثّوب كاذب
ومن أمثالهم: أنا النّذير العريان وإنّما قالوا ذلك لأنّ الرّجل إذا رأى الغارة قد فجئتهم وأراد إنذار قومه