و الرحمة بالعصاة والتخفيف عنهم يوم القيامة:

من حكمة الابتلاء بالعقوبة أن يعجل الله للمذنب عقوبته فتأتيه في الدنيا تخفيفا عنه يوم القيامة، يقول الله- عز وجل-: وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ (?) .

قال علي- رضي الله عنه-: هذه أرجى آية في كتاب الله عز وجل، وإذا كان يكفّر عني بالمصائب ويعفو عن كثير فما يبقى بعد كفارته وعفوه!! وقد روي عنه مرفوعا قوله- رضي الله عنه-: «ألا أخبركم بأفضل آية في كتاب الله حدثنا بها النبي صلّى الله عليه وسلّم: وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ، يا علي، ما أصابكم من مرض أو عقوبة أو بلاء في الدنيا فبما كسبت أيديكم، والله أكرم من أن يثنّى عليكم العقوبة في الآخرة، وما عفا عنه في الدنيا فالله أحلم من أن يعاقب به بعد عفوه (?) . وعن أنس- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا وإذا أراد بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافي به يوم القيامة» (?) .

وقال ابن عون: إن محمد بن سيرين لما ركبه الدّين اغتم لذلك، فقال: إني لأعرف هذا الغم، هذا بذنب أصبته منذ أربعين سنة. وقال عكرمة: ما من نكبة أصابت عبدا فما فوقها إلا بذنب لم يكن الله ليغفره له إلا بها، أو لينال درجة لم يكن يوصله إليها إلا بها (?) .

ز- إقامة حجة العدل على العباد:

يقول ابن القيم- رحمه الله-: «ومنها (أي من الحكم في الابتلاء بالضراء) إقامة حجة عدله عز وجل على عبده ليعلم هذا العبد أن لله عليه الحجة البالغة، فإذا أصابه من المكروه شيء فلا يقول: من أين هذا؟ ولا من أين أتيت؟ ولا بأي ذنب أصبت؟ وما نزل بلاء قط إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة (?) .

ثانيا: حكمة الابتلاء بالذنوب أو المعاصي:

قد يتساءل كثيرون عن حكمة وقوع المعاصي وما يترتب عليها من الابتلاءات، وربما خطر في بالهم السؤال الآتي: ألم يكن المولى- عز وجل- بقادر على أن يمنع هذه المعاصي فلا تقع أصلا؟ وعن هذا التساؤل أجاب ابن القيم باستفاضة، وفصّل أنواع الحكمة الإلهية التي اقتضت وقوع الذنوب أو المعاصي.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015