وقلبه، وأنس وحشته وغاية أمنيته، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، فإذا جاءه جبريل، كان أجود بالخير من الريح المرسَلة، فيؤثر على هذا مجالسته للأعداء؟!
المقام الخامس: أن قول الشيطان: "تلك الغرانيق العلى، وأن شفاعتهن لترتجى" للنبي صلى الله عليه وسلم قَبِله منه، فالتبس عليه الشيطان بالملَك، واختلط عليه التوحيد بالكفر، حتى لم يفرّق بينهما، وأنا من أدنى المؤمنين منزلة، وأقلهم معرفة بما وفقني الله له، وآتاني من علمه لا يخفى عليَّ وعليكم أن هذا كفر لا يجوز وروده من عند الله، ولو قال أحد لكم لتبادر الكل إليه قبل التفكير بالإنكار والردع والتثريب والتشنيع، فضلًا عن أن يجهل النبي صلى الله عليه وسلم حال القول، ويخفى عليه قوله ولا يتفطن لصفة الأصنام بأنها "الغرانيق العلى وأن شفاعتهن ترتجى" وقد علم علمًا ضروريًا أنها جمادات لا تسمع ولا تبصر، ولا تنطق ولا تضر، ولا تنفع ولا تنصر ولا تشفع، بهذا كله كان يأتيه جبريل الصباح والمساء، وعليه انبنى التوحيد ولا يجوز نسخه من جهة المنقول، فكيف يخفى هذا على الرسول؟! ثم لم يَكْفِ هذا حتى قالوا: إن جبريل عليه السلام لما عاد إليه بعد ذلك ليعارضه فيما ألقي إليه من الوحي كررها عليه جاهلًا بها -تعالى الله عن ذلك- فحينئذ أنكرها عليه جبريل، وقال له: "ما جئتك بهذا! " فحزن النبي صلى الله عليه وسلم وأنزل عليه: {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا