"اعلموا أنار الله أفئدتكم بنور هداه، ويسَّر لكم مقصد التوحيد ومغزاه، أن الهدى هدى الله، فسبحان من تفضل به على من يشاء ويصرفه عمن يشاء، وقد بيَّنَّا معنى هذه الآية في "فضل تنبيه الغبي على مقدار النبي" بما نرجو به عند الله الجزاء الأوفى في مقام الزلفى، ونحن الآن نجلو بتلك الفصول الغماء، ونرقيكم بها عن حضيض الدهماء إلى بقاع العلماء في عشر مقامات.
المقام الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا أرسل الله إليه الملَك بوحيه، فإنه يخلق له العلم به حتى بتحقيق أنه رسول من عنده، ولولا ذلك لما صحّت الرسالة، ولا تبينت النبوة، فإذا خلق الله له العلم به تميز عنده من غيره، وثبت اليقين، واستقام سبيل الدين، ولو كان النبي إذا شافهه الملك بالوحي لا يدري، أمَلَكٌ هو، أم شيطان، أم أنسان، أم صورة مخالفة لهذه الأجناس ألقت عليه كلامًا وبلغت إليه قولًا لم يصح أن يقول: إنه من عند الله، ولا تثبت عندنا أنه أمر الله، فهذه سبيل متيقنة، وحالة متحققة لا بد منها، ولا خلاف في المنقول ولا في المعقول فيها، ولو جاز للشيطان أن يتمثل فيها، أو يتشبّه بها ما أمناه على آية، ولا عرفنا منه باطلًا من حقيقة، فارتفع بهذا الفصل اللَبس، وصح اليقين في النفس.