نصب الرايه (صفحة 924)

أَطْوَلُ صُحْبَةً مِنْهُ، وَأَعْلَمُ بِحَالِ النَّبِيِّ عليه السلام، وَقَدْ أَخْبَرَ مُعَاوِيَةُ بِأَنَّهُ رَأْيٌ رَآهُ، لَا قَوْلٌ سَمِعَهُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى كَلَامُهُ. قُلْنَا: أَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّ الطَّعَامَ فِي الْعُرْفِ هُوَ الْحِنْطَةُ، فَمَمْنُوعٌ، بَلْ الطَّعَامُ يُطْلَقُ عَلَى كُلِّ مَأْكُولٍ، وَهُنَا أُرِيدَ بِهِ أَشْيَاءُ ليست الجنطة مِنْهَا، بِدَلِيلِ مَا جَاءَ فِيهِ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ1 عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: كُنَّا نُخْرِجُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: وَكَانَ طَعَامُنَا الشَّعِيرَ، وَالزَّبِيبَ، وَالْأَقِطَ، وَالتَّمْرَ، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ": وروى ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي "مُخْتَصَرِ الْمُخْتَصَرِ" بِسَنَدٍ صَحِيحٍ2 مِنْ حَدِيثِ فُضَيْلٍ بْنِ غَزْوَانَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: لَمْ تَكُنْ الصَّدَقَةُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا التَّمْرَ، وَالزَّبِيبَ، وَالشَّعِيرَ، وَلَمْ تَكُنْ الْحِنْطَةُ، انْتَهَى. وَأَمَّا مَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِيهِ: أَوْ صَاعًا مِنْ حِنْطَةٍ، فَقَدْ أَشَارَ أَبُو دَاوُد إلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ فِي "سُنَنِهِ" وَضَعَّفَهَا، فَقَالَ: وَذُكِرَ فِيهِ رَجُلٌ وَاحِدٌ عَنْ ابْنِ عُلَيَّةَ: أَوْ صَاعَ حِنْطَةٍ، وَلَيْسَ بِمَحْفُوظٍ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِيهِ: وَذِكْرُ الْحِنْطَةِ فِي هَذَا الْخَبَرِ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، وَلَا أَدْرِي مِمَّنْ الْوَهْمُ. وَقَوْلُ الرَّجُلِ لَهُ: أَوْ مُدَّيْنِ مِنْ قَمْحٍ، دَالٌّ عَلَى أَنَّ ذِكْرَ الْحِنْطَةِ فِي أَوَّلِ الْخَبَرِ خَطَأٌ وَوَهْمٌ، إذْ لَوْ كَانَ صَحِيحًا لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِهِ: أَوْ مُدَّيْنِ مِنْ قَمْحٍ مَعْنًى، انْتَهَى. نَقَلَهُ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ" عَنْهُ، وَقَدْ عُرِفَ تَسَاهُلُ الْحَاكِمِ فِي تَصْحِيحِ الْأَحَادِيثِ الْمَدْخُولَةِ، وَقَوْلُ النَّوَوِيِّ: إنَّهُ فِعْلُ صَحَابِيٍّ، قُلْنَا: قَدْ وَافَقَهُ غَيْرُهُ مِنْ الصَّحَابَةِ الْجَمُّ الْغَفِيرُ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ: فَأَخَذَ النَّاسُ بِذَلِكَ، وَلَفْظُ: النَّاسُ لِلْعُمُومِ، فَكَانَ إجْمَاعًا. وَكَذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَالْحُرِّ وَالْمَمْلُوكِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، فَعَدَلَ النَّاسُ بِهِ مُدَّيْنِ مِنْ حِنْطَةٍ، وَلَا يَضُرُّ مُخَالَفَةُ أَبِي سَعِيدٍ لِذَلِكَ، بِقَوْلِهِ: أَمَّا أَنَا فَلَا أَزَالُ أُخْرِجُهُ، لِأَنَّهُ لَا يَقْدَحُ فِي الْإِجْمَاعِ، سِيَّمَا إذَا كَانَ فِيهِ الْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ، أَوْ نَقُولُ: أَرَادَ بِالزِّيَادَةِ عَلَى قَدْرِ الْوَاجِبِ تَطَوُّعًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَوْلُهُ: وَلَنَا مَا رَوَيْنَا، يُشِيرُ إلَى حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ الْمُتَقَدِّمِ أَوَّلَ الْكِتَابِ.

أَحَادِيثُ الْبَابِ: أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد3، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ خَطَبَ فِي آخِرِ رَمَضَانَ عَلَى الْمِنْبَرِ بِالْبَصْرَةِ، فَقَالَ: أَخْرِجُوا صَدَقَةَ صَوْمِكُمْ، فَكَأَنَّ النَّاسَ لَمْ يَعْلَمُوا. قَالَ: من ههنا مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ؟ قُومُوا إلَى إخْوَانِكُمْ فَعَلِّمُوهُمْ، فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015