نصب الرايه (صفحة 542)

هِيَ مِنْ الشَّافِعِيِّ1، فَإِنَّهَا دَائِرَةٌ عَلَيْهِ، وَلَا تُعْرَفُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ، فَيَكُونُ مِنْهُ ظَنًّا وَاجْتِهَادًا، وَأَمَّا الْجَوَابُ2 عَنْ قَوْلِهِ عليه السلام: "إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ"، فَقَالَ الشَّيْخُ فِي "شَرْحِ الْعُمْدَةِ": يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِيهِ: إنَّ مَفْهُومَهُ أَنْ لَا يُصَلِّي نَافِلَةً غَيْرَ الصَّلَاةِ الَّتِي تُقَامُ، لِأَنَّ الْمَحْذُورَ وُقُوعُ الْخِلَافِ عَلَى الْأَئِمَّةِ، وَهَذَا الْمَحْذُورُ مُنْتَفٍ، مَعَ الِاتِّفَاقِ فِي الصَّلَاةِ الْمُقَامَةِ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا اتِّفَاقُهُمْ عَلَى جَوَازِ اقْتِدَاءِ الْمُتَنَفِّلِ بِالْمُفْتَرِضِ، وَلَوْ تَنَاوَلَهُ النَّهْيُ لَمَا جَازَ مُطْلَقًا، انْتَهَى كَلَامُهُ.

الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ حَدِيثٌ مَنْسُوخٌ، قَالَ الطَّحَاوِيُّ يُحْتَمَلُ: أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ وَقْتَ كَانَتْ الْفَرِيضَةُ تُصَلَّى مَرَّتَيْنِ، فَإِنَّ ذَلِكَ كَانَ يُفْعَلُ أَوَّلَ الْإِسْلَامِ حَتَّى نُهِيَ عنه، ثم ذكرت حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ: لَا تُصَلِّي صَلَاةً فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ، قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ، وَهَذَا مَدْخُولٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ أَثْبَتَ النَّسْخَ بِالِاحْتِمَالِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَمْ يَقُمْ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ وَاقِعًا، أَعْنِي صَلَاةَ الْفَرِيضَةِ فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ، قَالَ: وَلَكِنْ قَدْ يُسْتَدَلُّ عَلَى النَّسْخِ بِتَقْرِيرٍ حَسَنٍ، وَذَلِكَ أَنَّ إسْلَامَ مُعَاذٍ مُتَقَدِّمٌ، وَقَدْ صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ سَنَتَيْنِ مِنْ الْهِجْرَةِ صَلَاةَ الْخَوْفِ غَيْرَ مَرَّةٍ، عَلَى وَجْهٍ وَقَعَ فِيهِ مُخَالَفَةٌ ظَاهِرَةٌ بِالْأَفْعَالِ الْمُنَافِيَةِ لِلصَّلَاةِ، فَيُقَالُ: لَوْ جَازَ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ لَأَمْكَنَ إيقَاعَ الصَّلَاةِ مَرَّتَيْنِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَقَعُ فِيهِ الْمُنَافَاةُ، وَالْمُفْسِدَاتُ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْحَالَةِ، وَحَيْثُ صُلِّيَتْ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مَعَ إمْكَانِ رَفْعِ الْمُفْسِدَاتِ عَلَى تَقْدِيرِ جَوَازِ اقْتِدَاءِ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ، دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَبَعْدَ ثُبُوتِ هَذِهِ الْمُلَازَمَةِ يَبْقَى النَّظَرُ فِي التَّارِيخِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَهَذَا التَّقْرِيرُ إنَّمَا يَمْشِي عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُ عليه السلام صَلَّى أَرْبَعًا بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ لَفْظِ حَدِيثِ جَابِرٍ فِي "الصَّحِيحَيْنِ"، يَعْنِي فَلَوْ جَازَ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ لَصَلَّى بِهِمْ الصَّلَاةَ مَرَّتَيْنِ، فَيُصَلِّي بِالطَّائِفَةِ الْأُولَى الصَّلَاةَ كَامِلَةً، عَلَى وَجْهٍ لَا يَقَعُ فِيهِمَا شَيْءٌ مِنْ الْأَشْيَاءِ الْمُنَافِيَةِ لِلصَّلَاةِ "أَعْنِي فِي غَيْرِ هَذِهِ الْحَالَةِ"، وَذَلِكَ مِثْلُ جُلُوسِهِمْ يَحْرُسُونَ الْعَدُوَّ، وَرُجُوعِهِمْ إلَى الصَّلَاةِ، وَإِعَادَتِهِمْ لِمَا فَاتَهُمْ، فَلَمَّا لَمْ يُصَلِّ بِهِمْ مَرَّتَيْنِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَقَعُ فِيهِ ذَلِكَ، دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ، فَإِنْ ثَبَتَ أَنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ كَانَتْ بَعْدَ حَدِيثِ مُعَاذٍ، فَهِيَ نَاسِخَةٌ لَهُ، هَذَا مَعْنَى كَلَامِهِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015