نصب الرايه (صفحة 541)

أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ مُعَاذَ بْنَ جبل يأتينا بعد ما نَنَامُ، وَنَكُونُ فِي أَعْمَالِنَا بِالنَّهَارِ، فَيُنَادِي بِالصَّلَاةِ، فَنَخْرُجُ إلَيْهِ، فَيُطَوِّلُ عَلَيْنَا، فَقَالَ لَهُ عليه السلام: "يَا مُعَاذُ! لَا تَكُنْ فَتَّانًا، إمَّا أَنْ تُصَلِّيَ مَعِي، وَإِمَّا أَنْ تُخَفِّفَ عَلَى قَوْمِكَ"، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ كان يفعل أحد الْأَمْرَيْنِ، وَلَمْ يَكُنْ يَجْمَعُهُمَا، لِأَنَّهُ قَالَ: "إمَّا أَنْ تُصَلِّيَ مَعِي" أَيْ، وَلَا تُصَلِّ بِقَوْمِك، "وَإِمَّا أَنْ تُخَفِّفَ عَلَى قَوْمِك"، أَيْ، ولا تصل مَعِي. الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ النِّيَّةَ أَمْرٌ بَاطِنٌ لَا يُطَّلَعُ عَلَيْهِ إلَّا بِإِخْبَارِ النَّاوِي، وَمِنْ الْجَائِزِ أَنْ يَكُونَ مُعَاذٌ كَانَ يَجْعَلُ صَلَاتَهُ مَعَهُ عليه السلام بِنِيَّةِ النَّفْلِ، لِيَتَعَلَّمَ سُنَّةَ الْقِرَاءَةِ مِنْهُ، وَأَفْعَالَ الصَّلَاةِ، ثُمَّ يَأْتِيَ قَوْمَهُ فَيُصَلِّيَ بِهِمْ الْفَرْضَ، وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا حَدِيثُ أَحْمَدَ الْمَذْكُورَ، قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي "الْمُنْتَقَى": وَقَوْلُهُ عليه السلام: "إمَّا أَنْ تُصَلِّيَ مَعِي، وَإِمَّا أَنْ تُخَفِّفَ عَنْ قَوْمِكَ" ظَاهِرٌ فِي مَنْعِ اقْتِدَاءِ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ، لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَتَى صَلَّى مَعَهُ امْتَنَعَتْ إمَامَتُهُ، وَبِالْإِجْمَاعِ لَا تَمْتَنِعُ إمَامَتُهُ بِصَلَاةِ النَّفْلِ مَعَهُ، فَعُلِمَ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ صَلَاةَ الْفَرْضِ، وَأَنَّ الَّذِي كَانَ يُصَلِّيهِ مَعَهُ كَانَ يَنْوِيهِ نَفْلًا، وَأُجِيبَ عَنْ هَذَا الْعُذْرِ، بوجهين، أحدهما: الاستبعاد عن مُعَاذٍ، أَنْ يَتْرُكَ فَضِيلَةَ الْفَرْضِ خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَأْتِيَ بِهِ مَعَ قَوْمِهِ، قَالُوا: وَكَيْفَ يُظَنُّ بِمُعَاذٍ، بَعْدَ سَمَاعِهِ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ، فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ"، وَفِي لَفْظٍ لِلطَّبَرَانِيِّ: إلَّا الَّتِي أُقِيمَتْ، أن تصلي النَّافِلَةَ مَعَ قِيَامِ الْمَكْتُوبَةِ، وَلَعَلَّ صَلَاةً وَاحِدَةٍ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرٌ لَهُ مِنْ كُلِّ صَلَاةٍ صَلَّاهَا فِي عُمُرِهِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الشَّافِعِيِّ، وَمِنْ طَرِيقِهِ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ: هِيَ لَهُ تَطَوُّعٌ، وَلَهُمْ فَرِيضَةٌ، رَوَاهَا الشَّافِعِيُّ فِي "سُنَنِهِ وَمُسْنَدِهِ1" أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَجِيدِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، أَخْبَرَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ، قَالَ: كَانَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ يُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِشَاءَ، ثُمَّ يَنْطَلِقُ إلَى قَوْمِهِ فَيُصَلِّيهَا بِهِمْ: هِيَ لَهُ تَطَوُّعٌ، وَلَهُمْ فَرِيضَةٌ، انْتَهَى. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا أَعْلَمُهُ يُرْوَى مِنْ طَرِيقٍ أَثْبَتَ مِنْ هَذَا، وَلَا أَوْثَقَ رِجَالًا، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ. وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَذَكَرَا فِيهِ هَذِهِ الزِّيَادَةَ، وَالزِّيَادَةُ مِنْ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ، وَقَدْ رُوِيَتْ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِي "مُسْنَدِهِ" أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ يَحْيَى الْأَسْلَمِيُّ عَنْ ابْنِ عَجْلَانَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ جَابِرٍ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ، قُلْنَا: أَمَّا الِاسْتِبْعَادُ فَلَيْسَ بِقَدْحٍ، سِيَّمَا، وَفِي الْحَدِيثِ مَا يُؤَيِّدُ الْمُسْتَبْعَدَ، كَمَا بَيَّنَّاهُ، وَأَمَّا هَذِهِ الزِّيَادَةُ، فَلَيْسَتْ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّمَا هي من الرواة،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015