نصب الرايه (صفحة 234)

أَحَادِيثُ اشْتِرَاطِ اللُّبْسِ عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ، اسْتَدَلَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى ذَلِكَ بِأَحَادِيثَ: مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ: دَعْهُمَا فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ، وَفِي غَيْرِ الصَّحِيحِ مِنْ ذَلِكَ كَثِيرٌ، وَلَيْسَ فِيهَا حُجَّةٌ، لِأَنَّا نَقُولُ بِعَدَمِ جَوَازِ الْمَسْحِ إلَّا بَعْدَ غَسْلِ الرِّجْلِ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ يَظْهَرُ فِي مَسْأَلَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا: إذَا أَحْدَثَ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ، ثُمَّ لَبِسَ الْخُفَّيْنِ، ثُمَّ مَسَحَ عَلَيْهِمَا، ثُمَّ أَكْمَلَ وُضُوءَهُ. الثَّانِيَةُ: إذَا أَحْدَثَ، ثُمَّ تَوَضَّأَ، فَلَمَّا غَسَلَ إحْدَى رِجْلَيْهِ لَبِسَ عَلَيْهَا الْخُفَّ، ثُمَّ غَسَلَ الْأُخْرَى، ثُمَّ لَبِسَ عَلَيْهَا الْخُفَّ، فَإِنَّ الْمَسْحَ عِنْدَنَا جَائِزٌ فِي الصُّورَتَيْنِ، خِلَافًا لَهُمْ. هَذَا تَحْرِيرُ مَذْهَبِنَا، وَهُمْ يُطْلِقُونَ النَّقْلَ عَنْ مَذْهَبِنَا، وَيَقُولُونَ: الْحَنَفِيَّةُ لَا يَشْتَرِطُونَ كَمَالَ الطَّهَارَةِ فِي الْمَسْحِ، وَهَذَا يَدْخُلُ فِيهِ مَا لَوْ تَوَضَّأَ وَلَمْ يَغْسِلْ رِجْلَيْهِ، ثُمَّ لَبِسَ الْخُفَّيْنِ، وَلَيْسَ كذلك عدنا بَلْ لَا يَجُوزُ لَهُ الْمَسْحُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، لِأَنَّ الْحَدَثَ بَاقٍ فِي الْقَدَمِ، كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ وَأَقْرَبُ مَا اسْتَدَلُّوا بِهِ حَدِيثٌ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ1 عَنْ الْمُهَاجِرِ بْنِ مَخْلَدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم أَنَّهُ رَخَّصَ لِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ، وَلِلْمُقِيمِ يَوْمًا وَلَيْلَةً إذَا تَطَهَّرَ فَلَبِسَ خُفَّيْهِ أَنْ يَمْسَحَ عَلَيْهِمَا، انْتَهَى. قَالُوا: وَوَجْهُ الْحُجَّةِ أَنَّ - الْفَاءَ - لِلتَّعْقِيبِ، وَالطَّهَارَةُ إذَا أُطْلِقَتْ إنَّمَا يُرَادُ بِهَا الطَّهَارَةُ الْكَامِلَةُ، وَجَوَابُنَا2 أَنَّ هَذَا حَدِيثٌ ضَعِيفٌ، فَإِنَّهُمْ تَكَلَّمُوا فِي مُهَاجِرِ بْنِ مَخْلَدٍ قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَأَلْت أَبِي عَنْهُ، فَقَالَ: لَيِّنُ الْحَدِيثِ لَيْسَ بِذَلِكَ، ثُمَّ إنَّهُ قَدْ رُوِيَ - بِالْوَاوِ - وَلَبِسَ خُفَّيْهِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى طَهَارَةِ الرِّجْلَيْنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا ابْتِدَاءُ مُدَّةِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ عِنْدَنَا: فَقِيلَ: مِنْ وَقْتِ اللُّبْسِ، وَقِيلَ: مِنْ وَقْتِ الْمَسْحِ، وَقِيلَ: مِنْ وَقْتِ الْحَدَثِ، قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي الْإِمَامِ: أَمَّا مَنْ اعْتَبَرَهَا مِنْ وَقْتِ اللُّبْسِ، فَقَدْ اسْتَدَلَّ لَهُ بِحَدِيثِ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ، كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم يَأْمُرُنَا إذَا كُنَّا مُسَافِرِينَ - أَوْ سَفْرًا - أَنْ لَا نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ، مِنْ حَيْثُ إنَّهُ جَعَلَ الثَّلَاثَ مُدَّةَ اللُّبْسِ، وَأَمَّا مَنْ اعْتَبَرَهَا مِنْ وَقْتِ الْمَسْحِ فَبِحَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ، وَفِيهِ أَلْفَاظٌ أَقْوَاهَا فِي مُرَادِهِمْ مَا عُلِّقَ الْحُكْمُ فِيهِ بِالْمَسْحِ، كَالرِّوَايَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا مِنْ جِهَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ، وَفِيهَا فَأَمَرَنَا أَنْ يمسح عَلَى الْخُفَّيْنِ إذَا نَحْنُ أَدْخَلْنَاهُمَا عَلَى طُهْرٍ: ثَلَاثًا إذا سافرنا، ويوماً وَلَيْلَةً إذَا أَقَمْنَا، انْتَهَى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015