وابتدأ ابن عساكر تصنيف (تاريخ دمشق) بمجلداته الثمانين من صباه، واستمر في جمعه إلى أن شاخ.
وأفنى الطبراني عمره المديد (فقد عمر مائة سنة) في معجمه الأوسط.
فعليك يا طالب العلم أن تختار مشروعاً علمياً حديثياً نافعاً، واستشر العلماء والمأمونين في اختيارك، وابدأ في الجمع له والتأليف من فترة مبكرة، ولا تفوت العمر. ثم أنت خلال هذا الجمع تمارس علم الحديث عملياً، وتطبقه واقعياً؛ فتستفيد فائدتين، بل فوائد، وتعلي همتك، وتقوي عزمك، وتبذل جهدك في طلبك العلم، وتطرد الملل والسأم وقلة الصبر، بما يتجدد لك في بحثك من فوائد، تنظر قطف ثمرتها في مستقبل حياتك العلمية إن شاء الله تعالى.
الميزة الرابعة:
أنه علم مترامي الأطراف، لا ساحل لبحوره، ولا قاع لأعماقة. هذا وصف حقيقي مطابق لواقع حال علم الحديث، وليس كلاماً أدبياً مجازياً. وتحقيق ذلك عندك وتأكيده لديك يظهر: بتذكرك لعظيم تشعب أسانيد الأحاديث وكثرتها، ولتناثر تراجم رواة وتعديلهم التي في غير مظنتها، ولتباعد ما بين تعليلات الأئمة للحديث الواحد في مصادر هذا العلم؛ مما لا يجمع ذلك كتاب.. بل مكتبة، ولا يحويه مكان واحد.
ولهذه الميزة فإن طالب الحديث في حاجة ماسة إلى مكتبة عامرة بالكتب، مكتبة ضخمة بمعنى الكلمة، تكون بين يديه وقتما يشاء، مكتبة تنمو وتزيد كل يوم بالجديد من المطبوعات والمقدور عليه من المخطوطات، ولا تقف عن النمو ما دام صاحبها حي العلم والروح. حيث إن تلك الميز لا يحل إشكالها، ولا يمكن مواجهتها، إلا بالمكتبة الجامعة لكتب السنة، والمقربة لأطراف هذا العلم المترامية، المعينة على استيعاب جل أو كثير من جزئياته المتفرقة المتشعبة.
ولذلك فعلى طالب العلم أن يتحلى بالبذل والسخاء في اقتناء الكتب، وأن يقدم شراء الكتاب على طعامه وملبسه وملذاته، وأن يحرص كل الحرص على أن لا يفوت كتاباً صغر أو كبر في علم الحديث، في أي فن من فنونه.