فمن الأول، قول القائل:

زوامل للأسفار لا علم عندهم ... بجيدها إلا كعلم الأباعر

لعمرك ما يدري البعير إذا غدا ... بأحماله أو راح ما في الغرائر

ومن الثاني: قصة حمزة بن محمد الكناني الحافظ (ت357هـ) ، قال: "خرجت حديثاً واحداً عن النبي صلى الله عليه وسلم من مائتي طريق، أو من نحو مائتي طريق، فداخلني من ذلك الفرح غير قليل، وأعجبت بذلك. قال: فرأيت ليلة من الليالي يحيى بن معين في المنام، فقلت له: يا أبا زكريا، خرجت حديثاً واحداً عن النبي صلى الله عليه وسلم من مائتي طريق! قال: فسكت عني ساعة، ثم قال: أخشى أن يدخل هذا تحت (ألهكم التكاثر) (?) " (?) .

فما هو معنى تلك العبارات؟ مع ما ندعو إليه من التخصص في علم الحديث.

فأقول: أما ما جاء في ذم من لم يجمع مع الحديث فقهاً، فلا يعارض كلام من كان من الناس بقوله النبي صلى الله عليه وسلم الذي سبق ذكره، مما يدل على مشروعية بل استحباب ما عابه ذلك العائب.

ثم إن الذي صدر منه ذلك الذم أحد رجلين: إما أنه من أهل العلم والفضل، وحينها يحمل كلامه على ذم من قصر فيما لا يجوز التقصير فيه من الفقه بالفروض العينية ونحوها، مما تقدم ذكره. وإما أن هذا الذام من أهل الرأي وأصحاب البدع، الذين يعادون السنة وأهلها، وينفرون من علومها؛ وهؤلاء لا وزن لمدحهم وذمهم، بل ربما كان ذمهم مرجحاً كفة المذموم على الممدوح منهم!!

وأما ما ورد من عيب إفناء العمر في تتبع طرق الأحاديث وجمع الأسانيد، فليس الأمر على إطلاقه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015