يعرفه الناقد عند المعاينة، فيعرف البهرج الزائف والخالص والمغشوش. وكذلك تمييز الحديث، فإنه علم يخلقه الله تعالى في القلوب، بعد طول الممارسة له، والاعتناء به) (?) .

وقلبهما يقول عبد الرحمن بن مهدي (ت 198هـ) : (معرفة الحديث إلهام) (?) ، ويقول أيضاً: (إنكارنا الحديث عند الجهال كهانة) (?) . ولما أنكر ابن مهدي حديثاً رواه رجل، غضب للرجل جماعة، وقالوا لابن مهدي: (من أين قلت هذا في صاحبنا؟!) فلم يبين لهم العلة الحديثية التي جعلته ينكر على ذلك الرجل، وإنما قال لهم: (أرأيت لو أن رجلاً أتى بدينار إلى صيرفي، فقال: انتقد لي هذا، فقال الصيرفي: هو بهرج، يقول له: من أين قلت لي إنه بهرج؟ (فأجاب ابن مهدي على لسان الصيرفي) : الزم عملي هذا عشرين سنة حتى تعلم منه ما أعلم) (?) .

ويؤكد أيضاً أحمد بن صالح المصري (ت 248هـ) أن علم الحديث لا يفهمه إلا أهله، عندما قال: (معرفة الحديث بمنزلة معرفة الذهب، إنما يبصره أهله) (?) .

وبذلك يقرر هؤلاء العلماء وغيرهم من أئمة السنة أن علم الحديث علم تخصصي، لا يفهمه إلا من وفقه الله تعالى إلى صرف الهمة كلها له، ووقف الجهد جميعه عليه، وقصر الحياة على تعلمه وتحصيله؛ وما ذلك إلا لأنه علم شديد العمق بعيد الغور، كما سبق.

ومع ذلك:

لا يؤيسنك من مجد تباعده ... فإن للمجد تدريجاً وترتيباً

إن القناة التي شاهدت رفعتها ... تسمو فتنبت أنبوباً فأنبوبا

وقال آخر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015