ولهذه المنزلة العليا للسنة، ولعلاقتها القوية الوشائج والصلات بالقرآن الكريم، كان يقول غير واحد من السلف، منهم مكحول الشامي (ت 118 هـ) : (القرآن أحوج للسنة من السنة للقرآن) (?) . وذلك لأن إجمال القرآن يحتاج إلى تفصيل السنة، ومتشابه القرآن تفسره السنة؛ في حين أن السنة - غالباً - مفصلة مبينة واضحة.
ولهذا يصح أن يقال عمن يتعلم السنة: إنه يتعلم القرآن، ولمن يقرأ السنة: إنه يقرأ تفسير القرآن!!
وقد كان ذلك واضحاً تمام الوضوح عند السلف، ولهذا لما قيل لمطرف بن عبد الله بن الشخير (ت 95 هـ) : (لا تحدثونا إلا بالقرآن، قال مطرف: والله ما نريد بالقرآن بدلاً، ولكن نريد من هو أعلم بالقرآن منا) (?) .
ويجب التنبه إلى أن تفسير السنة للقرآن ليس هو وحده التفسير الصريح لمعانيه من النبي صلى الله عليه وسلم، كأن يذكر النبي صلى الله عليه وسلم آية ثم يشرحها شرحاً مباشراً. نعم هذا من تفسير السنة للقرآن، لكن الخضم الأعظم منه هو جميع سنة النبي صلى الله عليه وسلم القولية والفعلية والتقريرية وسيرته ومغازيه وحياته. ولهذا لما سئلت عائشة - رضي الله عنها - عن خلق النبي صلى الله عليه وسلم، أرشدت السائل إلى النظر في القرآن، عندما قالت: (كان خلقه القرآن) (?) وعلى هذا يحق لمن سأل عن القرآن أن يحال إلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم، كما أحالت عائشة السائل عن السنة إلى القرآن!
وهذا أكبر ما يبين مكانة السنة، وعظم أهميتها، وأولويتها على غيرها من العلوم.
ولقد بين الله عز وجل مكانة السنة وشرفها في القرآن العظيم، في آيات كثيرات؛ منها آيات كثيرة في الأمر بطاعة النبي صلى الله عليه وسلم والتحذير من مخالفته عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم. كقوله تعالى: (وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون) [آل عمران: 132 [، وكقوله عز وجل: (من يطع الرسول فقد أطاع الله) [النساء: 80] ، وكقوله سبحانه: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في