بالبيت إذ كانت هنالك رقية بنت البهلول الجرهمية، وكان لها قدره جمال مشهور، فعطشت من شدة الحر وهي تطوف، فنادت: يا مضاض بن عمرو، بدالة الشباب والقرابة اسقني، فاني أخشى الموت! فاحتال لها في ماء وسقاها، فلما بصرت به مي جعلت ترعد غيرة، ورجعت إلى أبيها وقالت له: الموت لا يكتم، وإليك شكواي لأنك عمادي، وقد انصدع قلبي انصداعاً لا يلتئم أبداً! وأخبرته بما جرى، وأقسمت لا تقيم بموضع يكون فيه مضاض أبداً، ورحلت إلى أخوالها من قضاعة، وقالت شعراً منه:
مضاض غدرت العهد والحب صادق ... وللحب سلطان يعز اقتداره
غدرتم ولم أغدر وللحر موثق ... وليس فتى من لا يقر قراره
ثم إن أبا قبيس أتاها وأنشدها أشعاراً صنعها على لسان مضاض في رقية، فألهب قلبها عليه، وصنع أيضاً جواباً على لسان رقية؛ فكان ذلك سبب طلب مضاض أبا قبيس ليقتله حتى فر أمامه. وآل الأمر بمضاض إلى أنه آلى ألا يشرب ماء؛ لأنه كان سبب التهاجر بينه وبين ابنة عمه، فمات عطشاً.
وبلغ ذلك ميا، فقالت:
أيا موطن الموت الذي فيه قبره ... سقتك الغوادي الساريات الهوامع
ويا ساكناً بالدوحتين مغيباً ... لئن طرت عن إلف فالفك تابع