إذا أصبحتم أمواتاً؟! وعدتم بعد الرفاهية رفاتاً؟! ونقلتم إلى دار البلى، وأجيب السائل عن بقائكم بلا؟! وفجع بكم الأحباب، وغلقت دونكم الأبواب؟! وانقلبتم في قليب البرزخ، وأضحت عقودكم تحل وتفسخ؟! أم كيف بكم إذا بعثر ما في القبور وحصل ما في الصدور؟! ووقفتم للعرض على من بيده مقاليد الأمور؟! {فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ}.
ثم إنه بسط للدعاء يديه، وأجرى سوابق دمعه على خديه. فبكى القوم لبكائه، وأمنوا على صالح دعائه. فلما فرغ اقبل الناس إليه، وأكثروا من تعظيمه والثناء عليه. فمن لاثم راحته، وقاصد بالجود راحته، وملتمس بركة عنايته، وناطق بشكر نصحه وهدايته. وهو يروح أرواحهم المكروبة، ويسقي كل واحد منهم مشروبه. ثم ولى يتهادى بين صحابته، وانسحبت عنا أذيال سحابته.
فمضيت قرير الناظر، منشرح للصدر والخاطر، متعظاً بما استمعت من قول النصيح، مستنشقاً من عرف الشيخ عرف الشيح، حامداً صحبة المشير الذي لم يزل من المحسنين، مصلياً على من أنزل عليه: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}.
هذا آخر ما نطق به لسان اليراع، وانتهى ما أورده نسيم الصبا من أحباره الطيبة على الأسماع. والله المسئول في غفر الذنوب