يا رُب سابغة حبتني نعمة ... كافاثها بالسوء غير مفند
أضحت تصون عن المنايا مهجتي ... وظللت أبذلها لكل مهند
ومن أشياء يطول ذكرها، ويعز على البليغ البارع حصرها.
ثم إنهم جدوا في الرحيل وتمسكوا بالنص واتبعوا الدليل. إلى أن وصلوا إلى بلد الأعداء سيس، وأرهبوا بجمعهم الراهب والقسيس. فسارعوا إلى النزول، وغصت بهم الوعور والسهول. وصابحوهم بما أشقى مساءهم. وناوحوهم بما دمرهم وساءهم. ونادوهم بألسنة الحمام، وناجوهم برسائل السهام، ونصبوا آلات الحصار لكسرهم، وأعدوا ما استطاعوا من القوة لقتلهم وأسرهم، وأحاطوا بأسوار المدينة، وصدموها بمن في آذانهم وقر عن الوقار والسكينة. فكم تكن إلا ساعة من نهار، حتى تحرك البناء وانهار، وسال السور بعد أن ماج، وهوت بكواكب المنجنيق منه الأبراج. فدخلوا البيوت من غير الأبواب، وجرعوا أعداء الدين مذاب العذاب، وحصل أهل الشرك في شرك القبضة، وعجزوا عند قص أجنحتهم عن النهضة، وتمشت في مفاصلهم حميا السيوف، وصفاح الرغام وجوههم على رغم الأنوف:
لله در فوارس كم أقبلوا ... نحو الحروب، ونافسوا في وصلها
قوم إذا دخلوا معالم قرية ... لعداتهم جعلوا أعزة أهلها
ثم عاجوا لاقتلاع قلعتها، ومالوا إلى محو أسطار بقعتها. فقدموا