بالضَّرورةِ، وكذا مَن اعتقدَ عكسَهُ، فأَمَّا مَن لم يَكُنْ بهذهِ الصِّفَةِ وانْضَمَّ إِلى ذلك ضَبْطُهُ لِما يَرويهِ، مَعَ وَرَعِهِ وتَقْواهُ، فلا مانع مِن قبوله.

والثاني: وهو مَنْ لا تَقْتَضي بدعتُهُ التكفيرَ أصلاً، وقد اختُلِف، أَيضاً، في قَبولِهِ وَرَدِّهِ:

فقيلَ: يُرَدُّ مُطلَقاً. وهُو بَعيدٌ، وأَكثرُ مَا عُلِّلَ بهِ أَنَّ في الرِّوايةِ عنهُ تَرْويجاً لأمرِهِ وتَنْويهاً بذكره، وعلى هذا فيَنْبَغي أَنْ لا يُرْوَى عنْ مبتدعٍ شيءٌ يُشاركه فيهِ غيرُ مبتدعٍ.

وقيلَ: يُقْبَل مُطْلقاً، إِلاَّ إن اعتقد حلَّ الكذب، كما تقدم.

وقيلَ: يُقْبَلُ مَن لَمْ يكنْ داعِيةً إِلى بِدعَتِهِ؛ لأنَّ تزيينَ بِدعَتِه قد يَحْمِلُهُ على تحريفِ الرواياتِ وتَسويَتِها على ما يَقْتضيه مذهبُهُ، وهذا في الأصَحِّ.

وأغربَ ابنُ حِبَّانَ؛ فادَّعى الاتفاقَ على قبولِ غيرِ الدَّاعيةِ، مِن غيرِ تفصيلٍ.

نعمْ، الأكثرُ على قَبولِ غيرِ الدَّاعيةِ، إلا أنْ يَروي ما يُقَوِّي بِدْعَتَهُ فَيُرَدُّ، على المذهَبِ المُخْتارِ، وبهِ صرَّحَ الحافِظُ أَبو إِسحاقَ إِبراهيمُ بنُ يعقوبَ الجُوزَجاني، شيخُ أَبي داودَ والنَّسائِيِّ، في كتابِه "معرفة الرِّجال"، فقالَ في وصْف الرُّواةِ: ومِنهُم زائغٌ عن الحَقِّ -أَيْ عنِ السُّنَّةِ- صادقُ اللَّهجَةِ؛ فليسَ فيهِ حيلةٌ إِلاَّ أَنْ يؤخذ من حديثه ما لا يكون منكَراً، إذا لم يُقَوِّ به بدعته انتهى.

وما قاله مُتَّجِهٌ؛ لأنَّ العلةَ التي لها رُدَّ حديثُ الدَّاعيةِ واردةٌ فيما إذا كان ظاهرُ المرويِّ يوافِق مذهبَ المُبْتَدِع، ولو لم يكنْ داعيةً، والله أعلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015