والبحر يخافونه، ويهادوه (?)، ويهادنونه، لحسن جيشه وقوّتهم وخيولهم وعددهم وعددهم، ولا سيما في زماننا هذا (?)، فإنهم أحسن أجناد الدنيا، وعسكره وموكبه أفخر العساكر والمواكب وأحشمهم، وفيهم الصلحاء، والرجال، وفرسان الخيل، ومن مرّت به التجارب، وحضر الحصارات والمصافّات، وقد أيّده الله تعالى بالنصر.
وقد ورد عن عمرو بن العاص، عن عمر بن الخطّاب رضي الله عنه أنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا فتح الله عليكم بمصر فاتخذوا فيها جندا كثيفا فذلك الجند خير أجناد الأرض». فقال له أبو بكر الصّدّيق رضي الله عنه: ولم يا رسول الله؟ قال:
«لأنهم وأزواجهم في رباط إلى يوم القيامة» (?).
ولو أراد ملك مصر أن يجمع جيوشا لم يسعها سهل ولا وعر خارجا عن جيوشه الشاميّة لجمع، فإنّه لا يوجد في سائر البلاد والأقاليم خلقا مجتمعة (?) كما اجتمع في وادي مصر، عمّرها الله تعالى ببقاء مالكها. وأدلّ الدلايل على ذلك أنّ السّحرة الذين آمنوا مع نبيّ الله تعالى موسى بن عمران عليه السلام، كما حدّثنا علي، حدّثنا عبد الرحمن، والخولانيّ، ويزيد بن حبيب المالكيّ، وغيرهم، وابن لهيعة، قالوا: إنّ السّحرة الذين آمنوا جميعا في ساعة واحدة كانوا اثني عشر ساحرا رؤساء، تحت يد كل واحد منهم عشرون عريفا سحرة، تحت يد كل عريف منهم ألف ساحر.
وكان الجميع مايتي ألف وأربعين ألف (?) ومايتي (?) واثنين وخمسين إنسانا (?)، وما كان فيهم من عمره دون الأربعين سنة، ولا فوق الستين سنة. وقد أخبر الله تعالى عنهم في القرآن الكريم: {إِنَّ هؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ وَإِنَّهُمْ لَنا لَغائِظُونَ} (?) حكاية عن قول فرعون. فعند ذلك أمر فرعون بإحضار شاة وأمر بذبحها وقال: لا يفرغ من سلاخها حتى يجتمع إليّ خمسماية ألف خلاف القلب والمجنّبتين، فحضروا أسرع من طرفة العين، وغرّق الله الجميع، وكانوا ما فيهم من بلغ الأربعين سنة (?) ولا دون العشرين سنة، فلذلك قوله تعالى: {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ} (?). والذين كانوا في