المرحومة كلها، إلا

واحدة من الصوفية زعموا أن لا مدلول للكلمة الطيبة إلا أنه سبحانه واحد ومستحق للعبادة وليس

الأمر كذلك لأن مشركي العرب أيضاً كانوا مصدقين بوحدته سبحانه ومقرين بأن الله سبحانه مستحق

للعبادة، ولم يقل أحد للصنم أنه الله رب العالمين لقولهم ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى وهؤلاء

شفعاؤنا عند الله فلو كان مدلول الكلمة الطيبة هو المعنى المذكور فقط لم يكن بين المشركين

والمسلمين فرق، ولا ريب أنها نزلت لرد زعم المشركين وجميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام قد

أمروا بالقائها إلى أممهم مطلقاً، وقال نبينا وشفيعنا محمد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أمرت أن

أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فعلم أن مدلول الكلمة الطيبة أمر قد أنكره المشركون إنكاراً

شديداً وزعموا بخلافه وهو زعم الغيرية بينه سبحانه وبين الآلهة وسائر الأشياء فنزل في ردهم لا

إله إلا الله يعني كل ما توهمتموه غير الله ليس بغير الله بل عينه وسيظهر صحة هذا المعنى بما لا

مزيد عليه إن شاء الله تعالى.

وقال في ذلك الكتاب:

اعلم أن الكلمة الطيبة مشتملة على أمور قد خفي غالبها على أكابر العلماء شرقاً وغرباً سلفاً وخلفاً:

الأول كلمة لا التي لنفي الجنس، والثاني اسمها المنكور، والثالث خبرها المحذوف، والرابع القرينة

عليه ما هي؟ الخامس كلمة إلا للاستثناء، والسادس فهم المفرع، والسابع كونها من قبيل قصر

الموصوف على الصفة دون العكس وكون القصر قصر قلب دون الإفراد والتعيين، والثامن أنه

مشتمل على حكمين إيجاباً وسلباً، والتاسع أنها ترجع إلى كليتين سالبة وموجبة، والعاشر أنها محكمة

من محكمات القرآن دون غيره من أقسام النظم، ولا بد لمعرفتها من بصيرة في النحو والمعاني

والبيان والبلاغة وفن الأصول والميزان والتفسير والحديث، انتهى.

وقد تعقب عليه:

الشيخ عبد الحكيم اللاهوري وكفره بتلك العقيدة الفاسدة، وللشيخ عبد الحكيم المذكور رسالة في هذا

الباب وكتب عليه الشيخ إسماعيل بن عبد الغني الدهلوي محاكمة حسنة، وللشيخ عبد العزيز بن ولي

الله الدهلوي أيضاً رسالة في الرد على رسالة الشيخ عبد الرحمن المترجم له.

مات يوم الجمعة لست خلون من ذي القعدة سنة خمس وأربعين ومائتين وألف، كما في تنوير

الجنان.

القاضي عبد الرحمن الآسيوني

الشيخ الفاضل القاضي عبد الرحمن الآسيوني أحد الرجال المعروفين بالفضل، قرأ العلم على حيدر

علي بن حمد الله السنديلوي ورحل إلى فرخ آباد فسكن بها مدة من الزمان، كما في تاريخ فرخ آباد

للمفتي ولي الله.

مولانا عبد الرحمن الدهلوي

الشيخ الفاضل عبد الرحمن الدهلوي الأعمى أحد العلماء المشهورين كان أصله من بنجاب دخل

دهلي صحبة شيخه حياة وأخذ عنه ولازمه مدة من الزمان وبرع في العلوم المتعارفة كلها، وكان

شيخه إذا أقرأه الهندسة خطط على ظهره الأشكال الهندسية فيفهمه بذلك الشكل الغريب، وهو درس

وأفاد بدهلي زماناً طويلاً، أخذ عنه الشيخ رحمة الله بن الخليل الكرانوي المهاجر المكي والشيخ محمد

علي الجاندبوري وخلق كثير من العلماء، وكان يستمع الكتب مع شروحها وحواشيها من بعض

أصحابه ثم يدخل حجرته ويغلق بابها ويخرج بعد ساعة أو ساعتين فيدرس تلك الكتب، وكان يفكر

في عبارات الكتب المسموعة في الخلوة ويحل عويصاتها.

قال أحمد بن محمد المتقي الدهلوي في آثار الصناديد: إنه كان نادرة من نوادر الزمان في الحفظ

والذكاء، كف بصره في حداثة السن فمن الله عليه بالبصيرة فلازم الشيخ حياة وأخذ عنه حتى برع

وفاق الأقران في العلوم كلها لا سيما الهيئة والهندسة والحساب وغيرها من الفنون الرياضية، فإنه

كان يدرس في تلك الفنون أحسن من غيره من الأساتذة ويلقي على الطلبة الخطوط والدوائر بلا

تجشم تتحير به العقول وتندهش به الألباب، انتهى، توفي سنة ثلاث وسبعين ومائتين وألف.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015