الأحوال الجزئية متأخرة من الطب، وباعتبار أنه جزء مقوم
لماهيته مقدم عليه فيلزم أن يكون الشيء الواحد متقدماً ومتأخراً، وهذا محال بالضرورة، ومنها أن
لفظ الزوال مشترك بين معنيين مختلفين وهما الانتقال والعدم، واستعمال اللفظ المشترك ممنوع في
التعريفات، ومنها أن الزوال في قوله زائلة لا يمكن استعماله بكلا المعنيين فبالمعنى الأول يلزم
الانتقال، وبالمعنى الثاني يلزم إعادة المعدوم، وهما محالان عندهم.
وقال في البحث الخامس في المزاج بعد شكوك عديدة، قالوا: إن المزاج الإنساني يعرض له
اعتبارات ثمانية: اعتبار بحسب النوع، واعتبار بحسب الصنف، وإعتبار بحسب الشخص، واعتبار
بحسب العضو، وكل واحد منها إما بحسب الخارج أو الداخل، وللكل عرض بين الإفراط والتفريط،
وها هنا شبهة تفردت بها ترد بعد تسليم مقدمات ثلاث عند الكل: أحدها أن المزاج النوعي الإنساني
منحصر بين الإفراط والتفريط، وثانيها أن المزاج الشخصي لكل فرد فرد على حدة وثالثها أن الأفراد
غير متناهية لتقدم النوع على مذهب الحكماء، فيلزم بعد التسليم انحصار ما لا يتناهى بين الحاصرين
وهو محال، انتهى ملخصاً.
وهكذا له عشرون مباحثة في المسائل الطبية، مات سنة وثلاث وثلاثين ومائتين وألف بمدينة
رامبور فدفن بها.
الشيخ دركاهي النقشبندي
الشيخ الكبير فيض بخش دركاهي النقشبندي الهزاروي أحد كبار المشايخ، ولد في تخت هزاره من
بلاد بنجاب سنة ستين ومائة وألف ونشأ بها، ثم ساح البلاد، وأدرك المشايخ، حتى وصل إلى بدايون
ولقى بها الشيخ جمال الله الرامبوري، فلازمه وأخذ عنه الطريقة النقشبندية، وتولى الشياخة، وكان
صاحب ترك وتجريد، وله استغراق دائم بحيث لم يكن له شعور بأوقات الصلاة، بل كان ينبهه الناس
بذلك، وكانت حرارة نسبته الباطنية على حد إذا التفت إلى مائة رجل مرة واحدة كانوا يغيبون عن
أنفسهم، أخذ عنه الشيخ أبو سعيد والشيخ رؤف أحمد في بداية الحال وخلق كثير من العلماء
والمشايخ.
توفي لأربع عشرة خلون من جمادي الآخرة سنة ست وعشرين ومائتين وألف.
السيد دلدار علي المجتهد النصير آبادي
الشيخ الفاضل العلامة المجتهد دلدار علي بن محمد معين بن عبد الهادي الحسيني النقوي الشيعي
النصير آبادي أول من ادعى الاجتهاد، وأقام الجماعة في الجمع والأعياد، كان من نسل السيد نجم
الدين السبزواري، يصل نسبه إلى جعفر بن علي النقي - عليه وعلى آبائه السلام -، ولد سنة ست
وستين ومائة وألف تقريباً ببلدة نصير آباد على عشرين ميلاً من رائي بريلي وسافر للعلم إلى إله
آباد وقرأ أكثر الكتب الدرسية على الشيخ غلام حسين الدكني، ثم سافر إلى سنديله وقرأ شرح
تصديقات السلم لحمد الله على ابنه حيدر علي بن حمد الله السنديلوي، وقرأ بعض الكتب على مولانا
باب الله الجونبوري، وسافر إلى العراق سنة ثلاث وتسعين ومائة وألف وزار مشاهد الأئمة في
الطف والنجف والكاظمين والمشهد، وقرأ الاستبصار للطوسي والفوائد الحارة على الآقا باقر محمد
البهباني، وقرأ شطراً من شرح المختصر النافع على مصنفه علي بن محمد علي الطباطبائي، وقرأ
بعض كتب الحديث علي مهدي بن أبي القاسم الشهرستاني، كلها في كربلاء وقرأ شطراً من الوافي
ومعالم الأصول علي مهدي بن مرتضى الطباطبائي النجفي حين نزل في النجف وصاحبه في سفره
إلى الكاظمين والعسكريين وسر من رأى واستفاض منه فيوضاً كثيرة، ثم قدم المشهد سنة أربع
وتسعين وأدرك بها مهدي بن هداية الله الموسوي الأصفهاني فصحبه وأخذ عنه، وحصلت له الإجازة
منه، فرجع إلى الهند ومكث برهة من الزمان ببلدة نصير آباد ثم دخل لكهنؤ فجعله حسن رضا خان
الشيعي الوزير معلماً لأبنائه، ورتب له راتباً ومضت عليه مدة.
وكانت الشيعة الإمامية إلى عصره متفرقين في بلاد الهند ليست لهم دعوة إلى مذهبهم، وما كانت لهم
جامعة تجمعهم، فقام الشيخ محمد علي الكشميري