فاستقام على تلك
الخدمة سنتين، ثم سافر إلى الحرمين الشريفين، وأقام بالمدينة المنورة خمس سنوات عاكفاً على
الزهد والعبادة، وكان يحج في كل سنة، ثم رجع إلى الهند وتزوج بأحمد آباد، واشتغل بها بالدرس
والإفادة خمس عشرة سنة، ثم ذهب إلى كواليار واعتكف على قبر شيخه سنتين، ثم دخل آكره
واعتزل بها مع القناعة والعفاف والتوكل والإستغناء، كان لا يتردد إلى الأغنياء ولا غيرهم من
الناس.
جمع ابنه عبد النبي ملفوظاته في كتابه جامع الكلم: ومن مصنفاته: سراج السالكين، وكنز الأسرار
في أشغال الشطار، وشرح الرسالة الغوثية والأوراد الصوفية، وأنيس المسافرين، وأسرار الدعوة،
ورسالة الصوفية،
توفي لسبع ليال بقين من جمادي الأولى سنة عشر وألف بمدينة آكره، كما في كلزار أبرار.
الشيخ عبد الله الحضرمي
السيد الشريف عبد الله بن حسين بن محمد بن علي بن أحمد بن عبد الله ابن محمد، بافقيه الحسيني
الحضرمي الشافعي، أحد علماء الإسلام الكبار، ذكره الشلي في تاريخه، قال: إنه ولد بتريم، وحفظ
القرآن على محمد با عائشة، وحفظ الجزرية وقرأها عليه، وحفظ بعد الإرشاد والملحة والقطر
وعرضها على مشايخه، وتفقه بوالده حسين، وأخذ عدة علوم عن الشيخ أبي بكر بن عبد الرحمن بن
شهاب الدين، منها الحديث والعربية وأكثر العلوم الأدبية، وأخذ الفقه عن الشيخ عبد الرحمن بن
علوي بافقيه، ومن مشايخه عبد الرحمن السقاف ابن محمد العيدروس والقاضي أحمد بن حسين
والقاضي أحمد بن عمر عيديد والشيخ أحمد بن عمر البيتي والشلي الكبير، وأخذ التصوف عن أكثر
مشايخه المذكورين، ولبس الخرقة من غير واحد، وجد في الطلب واعتنى بعلوم الأدب حتى اشتهر
أمره وبعد صيته، ثم دخل الهند واجتمع في رحلته هذه بكثير من أرباب الفضل والحال، ثم قصد
مدينة كنور وأخذ بها عن السيد الكبير بن محمد بن عمر بافقيه وغيره، وحصل له قبول تام عند
صاحبها الوزير عبد الوهاب، وكان عبد الله بن حسين إذ ذاك شاباً فرغب في صهارته وزوجه بابنته
وأعطاه دست الوزارة، فنصب نفسه للتدريس والإقراء ونفع العالمين فشاع ذكره شرقاً وغرباً، وكان
لا يقاوم في المناظرة.
وألف تآليف عديدة، منها شرح الآجرومية، وشرح الملحة ومختصرها، وشرح مختصره، وله رسائل
بديعة، وكان في صناعة النظم والنثر حاز قصب السبق، وله قصائد غريبة، قال الشلي: ورأيت له
رسائل وأنا صغير، أتى فيها بما لم يسبق إلى مثله، كان أرسلها إلى سيدي الوالد، ولم يتفق لي إلى
الآن الوقوف على شيء من مؤلفاته ولا قصائده، ولم يقدر لي الله الاجتماع به في رحلتي إلى الهند،
وكان مع علو همته لا يسمع بشيء إلا أحب أن يقف على أصله ومادته ويتطلب أربابه من سائر
الآفاق حتى أحكم على الرمل والهيئة والأسماء والأوفاق، واجتهد في علم الكيمياء غاية الإجتهاد
ويقال إنه ناله، وكان مع ذلك كله ذا قدم راسخة في الصلاح والتقوى والدين مقبلاً على الطاعة، وله
خلق حسن وعذوبة كلام ولين جانب، لا يزال مسروراً، وكان آية في الكرم كثير الإحسان، وكان
ينفق نفقة السلطان، ويسكن العظيم من الدور، ويركب الخيل الجياد، وهو قائم بنفع العباد، عاكف
على طلبة العلم، ولم تطل لياليه حتى مات وهو في الوزارة، كما في خلاصة الأثر.
الشيخ عبد الله الحضرمي
السيد الشريف عبد الله بن زين بن محمد بن عبد الرحمن بن زين بن محمد، مولى عيديد،
الحضرمي الشافعي الفقيه الجل، ذكره الشلي في تاريخه، قال: إنه ولد بتريم وحفظ القرآن، ثم طلب
العلم وحفظ الجزرية والعقيدة الغزالية والأربعين النواوية والملحة والقطر والإرشاد، وعرض
محفوظاته على العلماء الأجلاء، وتفقه على القاضي أحمد بن حسين ولازمه إلى أن تخرج به وبرع،
وجمع من الفوائد شيئاً كثيراً، وأخذ عدة علوم، منها الحديث والتفسير والعربية على الشيخ أبي بكر
عبد الرحمن، وأخذ عن أخيه محمد الهادي التصوف والحديث، ومن مشايخه