اللباس والوضع، جاداً في البحث
والدراسة حتى نال إعجاب أساتذته وثقتهم وتقدير زملائه واحترامهم، وتوفي والده مؤلف هذا الكتاب
سنة إحدى وأربعين وثلاثمائة وألف، وأكمل المترجم دراسته في كلية الطب وأخذ الشهادة من جامعة
لكهنؤ سنة ثلاث وأربعين وثلاثمائة وألف، ثم بدأ حياته المستقلة كطبيب ليكفل أسرته، وكان زاهداً
في الوظائف الحكومية.
وانتخب عضواً في لجنة ندوة العلماء التنفيذية سنة إحدى وأربعين وثلاثمائة وألف، وانتخب نائب
المدير سنة ست وأربعين وثلاثمائة وألف ومديراً أو الأمين العام سنة تسع وأربعين وثلاثمائة وألف،
وقد قطعت ندوة العلماء ودار العلوم التابعة لها أشواطاً بعيدة زمن إدارته وإشرافه، وجلب لها بعض
الأساتذة الكبار وفاقت في تحسين طريقة تعليم اللغة العربية وإصلاح مناهج الدرس، وحج وزار سنة
أربع وأربعين وثلاثمائة وألف على جناح شوق وحب، وطابت له الأيام في الحرمين الشريفين، وظل
مشتغلاً ثلاثين سنة بإدارة ندوة العلماء وخدمة الناس عن طريق المداواة والبر والمؤاساة، مهتماً بأمور
المسلمين مساهماً في تأييد القضايا الإسلامية والمشاريع الإصلاحية بقدر الإمكان، مشتغلاً بذات نفسه
معتزلاً في بيته، قليل الحديث إلا فيما ينفعه وينفع الناس، زاهداً في الجاه والشهرة والظهور.
وكان رحمه الله مثالاً نادراً للجمع بين محاسن القديم والجديد وفضائل الدين والدنيا رسوخ في العقيدة
واستقامة في الدين، وتضلع في العلوم القديمة والحديثة وسعة آفاق الفكر وتصلب في المبادىء
والغايات، وتوسع في الوسائل والآلات، وقد اجتمع فيه حب الواقعية وعدم التعصب مع الإتقان
والتعمق، متوسطاً بين الجمود والتجدد وبين التقليد ورفض التقليد، وكانت له فطرة سليمة بعيدة عن
الإفراط والتفريط، كان متقشفاً في حياته الشخصية، زاهداً في معيشته، ولكنه كان واسع النظر، رحب
الصدر في العلم والدراسة، متتبعاً للحديث الأحدث، من العلوم والتجارب، وكان حريصاً على اتباع
السنة بعيداً عن الإسراف وعن تقليد العادات الهندية، وكان جاداً في كل أعماله، متقناً لكل ما درسه
من قديم وجديد، إماماً في مسجد الحي، عالماً فقيه النفس، قد بايع مولانا حسين أحمد الفيض آبادي،
وكان شديد الحب كثير الإجلال له، وكان بيته منزله الدائم في البلد، وكان أثيراً كبير المنزلة عنده،
وكان قوي الحمية للاسلام، مقدراً للجهاد أينما كان، حريصاً على المساهمة فيه، واسع الاطلاع على
شؤون العالم الإسلامي، شديد التعلق بجزيرة العرب والحجاز والحرمين الشريفين، عميق الحق شديد
التعظيم للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه وأهل بيته، شديد الحب للعرب يسوؤه ويؤلمه ذمهم،
وانتقاص حقهم وفضلهم، خبيراً بجغرافية الجزيرة العربية، ألف كتاباً بالعربية في هذا الموضوع في
شبابه، كبر الاعتناء بالحديث النبوي الشريف، وكان له شغف بكتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه
العلامة ابن قيم الجوزية، حسن الاعتقاد شديد الإجلال للشيخ أحمد بن عبد الأحد السرهندي والشيخ
ولي الله الدهلوي والسيد أحمد بن عرفان الشهيد، وكان له شغف عظيم واهتمام كبير بالدعوة إلى
الإسلام ونشر الدين والعلم في الطبقات المتخلفة وأصحاب الحرف والمهن.
وكان واسع الذرا رحيب الصدر لإخوته الصغار وأهل بيته، وكان قد غلب عليه الاحتساب، لا يتكلم
إلا فيما يعنيه، ويكتفي بقدر ما يلزمه، ولا ينفق إلا فيما يرجو ثوابه، مقتصداً فيما يتفاخر به الناس،
منبسطاً فيما يدخره عند الله، رزقه الله القبول العام، وقد بلغ الغاية في بر والده وطاعته، ونال رضاه
وأدعيته الوافرة، وقد ختم رحمه الله ترجمت في هذا الكتاب بقوله: وهو حسن الفهم جيد التصور
قوي الإدراك، قد أخذ العلوم الآلية والعالية بنصيب وافر، فتح الله سبحانه عليه أبواب معارفه، وجعله
من العلماء العاملين، ورفع شأنه وبارك فيه، وجعل لي قرة عين بحوله وطوله، وإني أجزته بجميع
ما تجوز لي روايته، وتصح عني درايته بحق ما أجازني جمع من المشايخ الأجلاء، وأرجو الله
تعالى أن ينفعه وينفع به، ويجعله من عباده الصالحين ومن العلماء الناشرين للدين القويم بحق النبي
الكريم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
كان مربوع القامة مائلاً إلى القصر أبيض اللون والبشرة جميلاً، وسيماً، من رآه أحبه وأجله، طلق
الوجه وقوراً، ضحكه التبسم في غالب الأحوال، وإذا