الأفاضل المشهورين، له مصنفات كثيرة، منها كتاب البصائر في تذكير العشائر وكتاب المدافع
الإلهية في الرد على مذهب البابية ونسيم الصبا في حرمة الربا وسلعة القربة في توضيح شرح
النخبة وله نظم الدرر منظومة في التصريف، وشرح بسيط عليها سماه بالقول الأغر، أوله:
يقول عبد الحي ذو الآثام حمداً لمولى الحمد والإنعام
وله عقد الفرائد في نم العقائد، أوله:
يقول عبد الحي في ابتداء سبحان رب الأرض والسماء
وله نزهة الأنظار منظومة في المنطق، أوله:
يقول عبد الحي ذو العيوب حمداً لمن أحاط بالغيوب
وله شرح على عقد الفرائد وشرح على نزهة الأنظار.
توفي بمدينة رنكون سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة وألف.
مولانا عبد الحي اللكهنوي
الشيخ العالم الكبير العلامة عبد الحي بن عبد الحليم بن أمين الله بن محمد أكبر بن أبي الرحم بن
محمد يعقوب بن عبد العزيز بن محمد سعيد بن الشيخ الشهيد قطب الدين الأنصاري السهالوي
اللكهنوي.
العالم الفاضل النحرير أفضل من بث العلوم فأروى كل ظمآن
ولد في سنة أربع وستين ومائتين وألف ببلدة باندا وحفظ القرآن، واشتغل بالعلم على والده وقرأ
عليه الكتب الدرسية معقولاً ومنقولاً، ثم قرأ بعض كتب الهيئة على خال أبيه المفتي نعمة الله بن نور
الله اللكهنوي، وفرغ من التحصيل في السابع عشر من سنه، ولازم الدرس والإفادة ببلدة حيدر آباد
مدة من الزمان، ووقفه الله سبحانه للحج والزيارة مرتين: مرة في سنة تسع وسبعين مع والده، ومرة
في سنة ثلاث وتسعين بعد وفاته، وحصلت له الإجازة عن السيد أحمد بن زين دحلان الشافعي،
والمفتي محمد بن عبد الله ابن حميد الحنبلي بمكة المباركة، وعن الشيخ محمد بن محمد الغربي
الشافعي، والشيخ عبد الغني بن أبي سعيد العمري الحنفي الدهلوي بالمدينة المنورة، ثم إنه أخذ
الرخصة من الولاة بحيدر آباد وقنع بمائتين وخمسين ربية بدون شرط الخدمة، وقدم بلدته لكهنؤ فأقام
بها مدة عمره، ودرس وأفاد وصنف وذكر.
وإني حضرت بمجلسه غير مرة، فألفيته صبيح الوجه أسود العينين، نافذ اللحظ، خفيف العارضين،
مسترسل الشعر، ذكياً فطناً، حاد الذهن، عفيف النفس، رقيق الجانب، خطيباً مصقعاً، متبحراً في
العلوم معقولاً ومنقولاً، مطلعاً على دقائق الشرع وغوامضه، تبحر في العلوم، وتحرى في نقل
الأحكام، وحرر المسائل، وانفرد في الهند بعلم الفتوى، فسارت بذكره الركبان، بحيث أن علماء كل
إقليم يشيرون إلى جلالته.
وله في الأصول والفروع قوة كاملة وقدرة شاملة، وفضيلة تامة، وإحاطة عامة، وفي حسن التعليم
صناعة لا يقدر عليها غيره، وكان إذا اجتمع بأهل العلم وجرت المباحثة في فن من فنون العلم لا
يتكلم قط، بل ينظر إليهم ساكتاً، فيرجعون إليه بعد ذلك، فيتكلم بكلام يقبله الجميع ويقنع به كل سامع،
وكان هذا دأبه على مرور الأيام، لا يعتريه الطبش والخفة في شيء كائناً ما كان، والحاصل أنه كان
من عجائب الزمن ومن محاسن الهند، وكان الثناء عليه كلمة إجماع والاعتراف بفضله ليس فيه
نزاع.
وكان على مذهب أبي حنيفة في الفروع والأصول، ولكنه كان غير متعصب في المذهب، يتتبع
الدليل ويترك التقليد إذا وجد في مسألة نصاً صريحاً مخالفاً للمذهب، قال في كتابه النافع الكبير: ومن
منحه أي منح الله سبحانه أني رزقت التوجه إلى فن الحديث وفقه الحديث، ولا أعتمد على مسألة ما
لم يوجد أصلها من حديث أو آية، وما كان خلاف الحديث الصحيح الصريح أتركه، وأظن المجتهد
فيه معذوراً بل