فخاض فيها وأفتى بحرمة العدل في الجيش

الإنجليزي وسجن في منتصف المحرم سنة أربعين وثلاثمائة وألف، وحوكم في كراجي محاكمة

مشهورة، وحكم عليه بسجن سنتين مع الاشتغال بالأعمال الشاقة، وأطلق سنة اثنتين وأربعين

وثلاثمائة وألف.

ولما اعتزل الشيخ العلامة أنور شاه الكشميري شياخة الحديث في ديوبند وانتقل إلى ذابهيل وقع

الاختيار على الشيخ حسين أحمد رئيساً للمعلمين وشيخاً للحديث في دار العلوم، فانتقل إلى ديوبند

سنة ست وأربعين وثلاثمائة وألف، واستقل بتدريس الحديث ورئاسة المدرسة، فحافظت على شهرتها

ومركزها وثقة الناس بها، وشمر عن ساق الجد والاجتهاد في تدريس الحديث الشريف وفي بث روح

النخوة والإباء في المسلمين، وجمع بين التدريس والعمل في المجال السياسي بهمة نادرة وقوة إرادة،

وجال في الهند طولاً وعرضاً يحضر الحفلات، ويلقي الخطب والمحاضرات، ويتحمل مشاق السفر،

ويسهر الليالي، وهو محافظ على أوقاته وأوراده، يجهد نفسه ويحى ليله في المطالعة والتدريس مع

بشاشة دائمة وتواضع مفرط وإكرام للوافدين وقضاء لحق الزائرين والسائلين.

وصرف همته إلى تأبيد القضية الوطنية ومساعدة جمعية العلماء التي كان من أكبر أعضائها، فقاد

حركة العصيان المدني سنة إحدى وخمسين، وسجن لستة أشهر ثم أطلق، ورأس عدة حفلات سنوية

لجمعية العلماء، وفي سنة إحدى وستين وثلاثمائة وألف قامت الحركة الوطنية على قدم وساق، وغلى

مرجلها، وطلب المؤتمر الوطني من الإنجليز أن يغادروا البلاد، وألقى الشيخ حسين أحمد خطباً

حماسية، فألقى القبض عليه لثمان خلون من جمادى الأولى سنة إحدى وستين وثلاثمائة وألف، وبقي

معتقلاً نحو ثلاث سنوات وهو صابر محتسب، متحمل للأذى، مشتغل بالعبادة والإفادة في السجن،

حتى جاء الأمر بالإطلاق في السادس من رمضان سنة ثلاث وستين، فعاد إلى ما كان عليه من كفاح

وجهاد، وتعليم وإرشاد، وخدمة للعباد والبلاد، وقويت حركة العصبة الإسلامية التي تنادي بتقسيم

الهند وتطالب بباكستان ودانت بها الجماهير من المسلمين بحماسة وتفان، وكان الشيخ حسين أحمد

يرى في هذه الفكرة الضرر العظيم على المسلمين، ويعتقد أنها تفقدهم مركزهم السياسي ووحدتهم

الملية، وأنها من وحي الدهاء السياسي الإنجليزي، فعارضها بإيمان وإخلاص، وذعر الهند جولة

ورحلة، وجهر بعقيدته، لا يخاف فيها لومة لائم، ولا إهانة مهين، فتعرض لسخط المتحمسين

والثائرين من أتباع العصبة الإسلامية وأصحاب فكرة التقسيم، ولقي منهم الشيء الكثير من الأذى

والإهانة وهو صابر محتسب، لا يفتر في عمله، ولا يكف عن نشاطه، يرشد المسلمين وأهل البلاد،

إلى ما يرى فيه الخير والسداد، غير مدفوع بطمع، ولا مبال بثناء أو نقد، حتى أعلن التقسيم في

رمضان سنة ست وستين وثلاثمائة وألف، فانفجرت الحروب الطائفية، ووقعت المذابح العظيمة في

مدن الهند وقراها، وافترس المسلمون في الهند الشمالية الغربية وحول دهلي ووقع ما كان يخافه

الشيخ وأصحابه، ونزج من نزح منهم إلى باكستان وبقي من بقي في اضطراب حال وتشتت بال،

وأصبحت المراكز الدينية والثقافية في الهند في خطر الزوال، وأصبحت البقية الباقية من المسلمين

في خطر الاستسلام أمام الأكثرية، فانقلب الشيخ واعظاً دينياً، يثير في المسلمين الإيمان والثقة بالله

والاعتزاز بالدين، ويدعوهم إلى الصبر والثبات والتوكل على الله، ومقاومة المهاجمين والمغيرين

بالإيمان واليقين، فقوت مواعظه وجولاته القلوب المنخلعة، وأرسخت الأقدام المتزلزلة، وزال

الخطر، وانقشع السحاب، وبقيت المراكز الثقافية والدينية على حالتها الأولى، وبدأ المسلمون يزاولون

حياتهم ونشاطهم باعتدال وثقة.

واعتزل الشيخ السياسة العملية بعد استقلال البلاد، وعكف على الدرس والإفادة، والدعوة إلى الله،

وتربية النفوس، لا يتصل بالحكومة ورجالها، حتى أنعم عليه رئيس الجمهورية في جمادى الأولى

سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة وألف برتبة فخرية، فرفض ذلك قائلاً: إنه لا ينسجم مع طريقة أسلافه،

وبقي في ديوبند يدرس الحديث الشريف، ويتجول في الهند يدعو المسلمين إلى التمسك بالدين، واتباع

الشريعة الغراء، واقتفاء

طور بواسطة نورين ميديا © 2015