سنة 1286 هـ وأقام في العاصمة سنة وخمسة أشهر، زار في خلالها المراكز الثقافية
والمجامع العلمية وبعض الجامعات الشهيرة والمصانع والمعامل الكبيرة، واطلع على المشاريع
التعليمية والفنية، ولقي الأساتذة الكبار وأعيان الدولة، وقابل الملكة فكتوريا واحتفت به الدوائر
الرسمية وصنف بها الخطبات الأحمدية في السيرة النبوية وشرح لعقيدة الإسلامية، ورد ما أورده
السر وليم ميور على السيرة ومهاجمته للاسلام وصاحب رسالته، في كتابه الشهير حياة محمد ورجع
إلى الهند سنة 1292 هـ، وأنشأ مجلة تهذيب الأخلاق.
وفشا أمره في الناس، فكفره قوم من العلماء لأقاويل صدرت منه في المجلة وتبعه الآخرون، وشرع
في تصنيف تفسير القرآن، واحتضن المدرسة التي أسسها المولوي سميع الله خان باتفاقه وتوجيهه
للمسلمين بعلي كزه، أصبحت بعده بمدة الجامعة الإسلامية سنة 1292 هـ وسكن بتلك البلدة، وطلب
من الحكومة أن يحال إلى المعاش، وأجيب إلى ذلك، فانتقل إلى عليكزه، ووهب لهذه المدرسة التي
توسعت بعد حياته واشتهرت باسم جامعة عليكزه الإسلامية ذكاءه ونفوذه ومواهبه كلها، وانصرف
إليها انصرافاً كلياً يرغب فيها جميع طبقات المسلمين، ويجمع لها التبرعات والإعانات بكل وسيلة
وحيلة، ويحتار لها الأساتذة الماهرين من الإنجليز وغيرهم، ويبني لها البنايات العظيمة، ويقوم
لتعريفها والدعوة إليها بالجولات في أنحاء الهند، ويقوم بالدعوة إلى التعليم العصري واقتباس
الحضارة الغربية وعادات الغربيين، ويكتب ويؤلف ويشير على الحكومة بما يراه صالحاً لها
وللمسلمين، ويشارك في تشريع بعض القوانين وتهذيبها، ويخطب في المجلس التشريعي.
وأسس في سنة 1304 هـ المؤتمر التعليمي الإسلامي لمساعدة المسلمين في الاستفادة بالتعليم الحديث
وتوجيههم، وعارض المؤتمر الوطني العام، ودعا المسلمين إلى التنحي عنه والعمل لوحدهم متمسكاً
بقلة عددهم، وتخلفهم في مجال السياسة والثقافة، وقرب العهد بالثورة التي أثارت حولهم الشبهات،
ومنحته الحكومة سنة 1306 هـ وساماً ممتازاً يسمى نجم الهند ولقبته ب كي. سي. ايس. آئي. ومنحته
جامعة ايدمبرا الدكتوراه الفخرية في سنة 1307 هـ، ونشأ بينه وبين أعضاء المجلس التأسيسي
للمدرسة خلاف في بعض القضايا الإدارية، وعارضه صديقه القديم، وعضده الأيمن في تأسيس
المدرسة المولوي سميع الله خان في اختياره نجله القاضي سيد محمود سكرتيراً مساعداً لللجنة،
فانفصل سميع الله وزملاؤه عن المجلس، واستقالوا عن العضوية، وكان لذلك الأثر العميق في نفس
السيد أحمد خان وأعصابه، وتأثرت صحته، وحدث أن الكاتب الهندكي الذي كان يثق به السيد أحمد
خان وجعله أمين الصندوق في الكلية تحققت عليه خيانة في مائة ألف وخمسة آلاف ربية بالتزوير،
فكانت ضربة قاضية لم تحتملها أعصاب السيد أحمد خان وصحته، وتكدرت أيامه الأخيرة، ومات
ابنه السيد حامد في سنة 1315 هـ، فانهارت صحته ولزم الصمت، واعتراه في غرة ذي القعدة 1315
هـ احتباس البول، وفي الرابع من ذي القعدة 1315 هـ أصابه الصداع الشديد والحمى، وفارق الحياة
في الليل، ودفن بجوار مسجده الذي بناه في وسط الجامعة.
كان السيد أحمد خان - رغماً عن المآخذ ومواضع النقد التي أشار إليها المؤلف - من الرجال
العصاميين، الذين أثروا في عصرهم وجيلهم تأثيراً لم يعرف لغيره من معاصريه، وقد أثر في عقلية
أبناء عصره ومن جاء بعدهم وفي السياسة والأدب والإنشاء وحركة التأليف، وتخرج في مدرسته
الفكرية - على ما فيها من ضعف وانحراف - رجال قادوا الحركة الفكرية والسياسية في شبة القارة
الهندية، كان قوي الشخصية، قوي النفوذ على أصحابه وجلسائه، عاملاً دؤباً، لا يتعب ولا يمل،
وكان نشاطه كثير الجوانب، متنوع الأغراض، واسع النطاق، وكان على رقة في الدين وشذوذ في
العقيدة شديد الحب للمسلمين، شديد التألم بما أصيبوا به، تواقاً إلى تقدمهم وسبقهم في مضمار العلم
والمدنية والرفاهية، يستخدم لذلك كل وسيلة وحيلة، وكان رجلاً مرهف الحس، حاد الذهن، عصبياً،
سريع الانفعال والقبول، كثير الاعتداد برأيه، كثير الاعتماد على غيره، إذا أعجب به ووثق، شديد
الإجلال للحضارة الغربية.