وشأنه عجيب كل العجب، فإنه كان في بداية أمره على مذهب المشايخ النقشبندية، لأنه نشأ فيهم،
وكان والده محمد المتقي من أصحاب الشيخ غلام علي الدهلوي، وأمه عزيز النساء بنت فريد الدين
الكشميري الوزير كانت بايعت السيد الإمام المجاهد السيد أحمد الشهيد السعيد البريلوي، فصنف
الرسائل في إثبات الرابطة وتصور الشيخ، وفي إثبات عمل المولد، وكان الناس يبدعونه في ذلك
الحال، ثم رغب إلى طائفة السيد الإمام ومختاراته، وصنف الرسائل في الانتصار له، فنسبه الناس
إلى الوهابية، ثم ارتقى إلى ذروة التحقيق والاجتهاد في المذهب، وصدرت منه الأقاويل في تفسير
القرآن الكريم، وفي تهذيب الأخلاق، فكفره الناس، وبعضهم بدعوه، ونسبوه إلى نيجر، وهي كلمة
انكليزية، معناه الفطرة، لقوله: الإسلام هو الفطرة، والفطرة هي الإسلام.
وكان مولده في خامس ذي الحجة سنة اثنتين وثلاثين ومائتين بعد الألف بدهلي، وتربى في حجر
أمه وجده لأمه خواجه فريد الدين، وقرأ النحو والصرف وبعض رسائل المنطق إلى شرح التهذيب
لليزدي وقرأ شرح هداية الحكمة للميبذي ومختصر المعاني والمطول على علماء بلدته، ثم صرف
همته إلى الهيئة والهندسة وقرأ تحرير الأقليدس وشرح الجغميني وبعض الرسائل في الآلات
الرصدية للبرجندي وأعمال الكرة وأعمال الاصطرلاب وصنعة الاصطرلاب والربع المجيب والربع
المقنطر والهلزون وجريب الساعة وفرجاء التقسيم والفرجاء المتناسب كلها على خاله زين العابدين،
ثم قرأ القانونجه والموجز ومعالجات السديدي، وكليات النفيسي وشرح الأسباب والعلامات إلى
أمراض العين على الحكيم غلام حيدر خان الدهلوي وتطبب عليه برهة من الزمان، ثم تقرب إلى
بعض متوسلي الحكومة الإنكليزية، وولي التحرير في ديوان الحاكم لأقطاع آكره، وبعد مدة ولي
القضاء لفتحبور سيكري، فصار صدر امين واستقل بالقضاء أربع سنوات، ولقبه في هذه السنين
بهادر شاه بن أكبر شاه بن شاه عالم التيموري جواد الدولة عارف جنك ثم نقل من فتحبور إلى دهلي،
وسنحت له فرصة للأخذ والقراءة، فقرأ القدوري وشرح الوقاية وأصول الشاشي ونور الأنوار
وبعض كتب أخرى على مولانا نوازش على الدهلوي، وقرأ بعض المقامات من مقامات الحريري
وبعض القصائد من السبع المعلقات على مولانا فيض الحسن السهارنبوري، وقرأ مشكاة المصابيح
وقدراً صالحاً من جامع الترمذي وبعضاً من صحيح مسلم على مولانا مخصوص الله بن رفيع الدين
العمري الدهلوي وأسند عنه القرآن الكريم، وصنف آثار الصناديد كتاباً في تاريخ دهلي، وتجشم
الصعوبة في تصنيفه سنة 1264 هـ، فتلقاه الناس بالقبول، ونقل من دهلي إلى بجنور سنة 1272 هـ،
وصنف بها تاريخ بجنور، وجد في تصحيح آئين أكبري لأبي الفضل بن المبارك الناكوري، فصححه
بمقابلة النسخ العديدة، وكتب عليه الحواشي المفيدة.
وكان في بجنور إذ ثارت الفتنة العظيمة ببلاد الهند وثارت العساكر الإنكليزية على الحكومة سنة
1273 هـ، فقام على ساق لنصرة الحكومة الإنكليزية، فلما تسلطت الحكومة مرة ثانية رتبت له مائتي
ربية شهرية له إلى حياته، وبعده لولده الكبير حامد بن أحمد الدهلوي إلى حياته، وجعلته صدر
الصدور ببلدة مراد آباد، وهو عبارة عن نيابة القاضي في إحدى المتصرفيات، فسار إلى مراد آباد
سنة 1275 هـ، وصنف الرسائل في أسباب الثورة والخروج، واشتهر أمره في الهند، وظهر فضله
بين أهلها عند الحكومة الإنكليزية، ثم صنف تفسير الإنجيل وسماه تبيين الكلام، ولكنه لم يتم، واجتهد
فيه في تقريب دين الإسلام إلى دين النصارى، ثم نقل إلى غازيبور سنة 1279 هـ وأنشأ بها مجمعاً
علمياً لنقل الكتب العلمية والتاريخية من اللغة الإفرنجية إلى لغلة أهل الند يسمونها أردو، وحرض
أهل تلك البلدة من المسلمين والهنادك لإنشاء مدرسة إنكليزية، فأنشأوها وسموها وكلوريه اسكول
على اسم ملكة إنكلترا، ثم نقل من غازيبور إلى عليكزه سنة 1281 هـ، فنقل معه ما كان للمجمع
العلمي من الآلات والأدوات إلى عليكزه، وجمع الناس عليه، وجمع الإعانات له، وبنى بناء شامخاً
لإدارته، فنقل أكثر الكتب المفيدة إلى أردو من العربية والإنكليزية، وأنشأ من تلك الرابطة العلمية
صحيفة أسبوعية لإصلاح أهل الهند، ونقل من عليكزه إلى بلدة بنارس سنة 1284 هـ، وصنف كتاباً
في حلة طعام أهل الكتاب والمؤاكلة معهم سنة 1285 هـ، وسافر مع ولديه حامد ومحمود إلى جزائر
بريطانيا