فقالوا: بأيّتهما نبدأ؟ فقال الشّيخ أبو علي: نبدأ بعروة، فخرج أهل البلد كلّهم للقاء الشّيخ أبي علي، وحلفوا عليه لينزلنّ عن فرسه، فامتنع / من ذلك، فألحّوا عليه، فقال: ما ننزل عندكم إلاّ على شرط أن تطعمونا الجرادق والعسل، فقالوا: هذا أيسر ما عندنا، وإنّما أردنا أن نذبح الدّجاج ونكثر من الطعام، ولو أمكننا التّقرّب إليك بأنفسنا لفعلنا، قال: لا، (?) إلاّ (?) الجرادق والعسل، قالوا: نعم، ثمّ نزل الشّيخ عن فرسه وجلس ووجّه معهم فقيرا من فقرائه وبيده قصعة ليأخذ فيها العسل، فلمّا أتوا إلى سرير النّحل وفتحوا أوّل بيت من بيوت النّحل وجدوها دودا فغلقوها وعمدوا إلى الثّانية فكانت كذلك، فعمدوا إلى الثّالثة، فلما فتحوها وجدوا فيها الحوائج والحلي الّذي لأهل ملّول، فأخذ الفقير الحوائج في طرفه وأتى بها إلى الشّيخ أبي علي، فلمّا وضعها بين يديه قال الفقيه أبو زيد الأجمي: يا سيدي أبا علي، لقد أطلعك الله على أمر عظيم، فسبحان من وهبك هذا السّرّ، فقال الشّيخ: يا فقيه أبا زيد تعجب من ذلك؟ المنّة لله وحده وما ذلك على الله بعزيز، ثمّ قال الشّيخ عبد النّاظر: يا فقيه أبا زيد قال الله العظيم {ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} (?) ولا تستكثر هذا من الشّيخ أبي علي فإنّه شيخ الإطّلاع والمكاشفة والمراقبة، فقال الشّيخ أبو علي: لا تتّهموني فإني أعرف بنفسي، وهذا الذي ظهر لنا هو نيّتكم وخواطركم ثمّ أخذ أهل منزل عروة من الحياء والحشمة ما أفهمهم (?)، واستحيوا من الشّيخ لما وقعوا فيه، وقالوا: ما علمنا من فعل هذا فلا تؤاخذنا واجبر كسرنا / فقال: توبوا إلى الله - عزّ وجلّ - فتابوا، ثم قال الشّيخ: تاب الله علينا أجمعين.
وتوفّي الشّيخ أبو علي القديدي يوم الجمعة قبل الزّوال لثمان عشرة ليلة خلت من ذي القعدة من عام تسع وتسعين وستمائة (?)، ودفن بقبر كان أمر بحفره قبل وفاته بثلاث سنين بزاويته المبنية بمدينة القيروان (?).
وتوفّت والدته أمّ سلامة (?) واسمها زينب في اليوم الثّاني والعشرين لذي الحجة