قال الشّيخ أبو القاسم اللبيدي (?): بتّ ليلة عنده فسمعته وقد طلع إلى فراشه وهو يبكي، وزوجته تعذله (?) وتقول له: تبكي تصلّي، وتبكي تمشي (?) وتبكي في فراشك أيضا، فقال لها: ولم لا أبكي؟ والله لا بكى أحد على ذنوبي غيري أبدا، ثمّ غلبته العبرة، فترك النّوم وأحيى ليلته.
وكان مجاب الدّعوة، واجتمع بالشّيخ [أبي] محمّد بن أبي زيد فجرى (?) بينهما بكاء شديد وذكر، فلمّا أراد فراقه قال له عيسى: أحبّ أن أكتب إسمي في البساط الذي تحتك، فإذا رأيته دعوت لي، فبكى أبو محمّد وقال: قال الله تعالى {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصّالِحُ يَرْفَعُهُ} (?) فهذه دعوتي لك، فأين عمل صالح يرفعه؟ وكذا إجتمع بأبي الحسن القابسي، فتذاكرا وبكيا حتّى سقط كلّ واحد منهما على ظهره، فما اجتمعا بعدها.
وجعل (?) على نفسه بعد موت أبي إسحاق / أن لا يمرّ بناحية جبنيانة وما قاربها إلاّ زار قبره (?)، قال: فزرته يوم الجمعة فدعوت له، ثمّ عرض لي أمر يوم السّبت فمررت بالموضع فلم أزره وقلت: بالأمس كنت عنده، قال: فنمت فرأيته في المنام، فقال لي: يا أبا موسى: ما أقلّ الوفاء، تمرّ قريبا من قبري فلا تقف عليه، وتقول قد زرته بالأمس! فلم يترك زيارته حتّى مات.
وكان الشّيخ عيسى هذا - رحمه الله - كثير قيام الليل ولا ينام إلاّ قليلا، وربّما غلبته الخشية، فسقط على (?) الأرض على وجهه من قيامه للصلاة فيخدش وجهه.
وكان أكثر أصحاب الشّيخ أبي إسحاق فضلاء أجلاّء. فمن أصحابه أبو جعفر أحمد بن عيشون البكّاء، كان بكى حتّى ذهبت أشفار عينيه واتخذ الدّمع في خدّيه أخدودا، وكان كثيرا ما يسكن بقصر زياد، فيسكن في بيت في جوف المسجد، فيغلق