له، فامتنع منه، وقال: أنا أدلّك على رجل صالح من أهل العلم تسمع منه، فلبس أبو إسحاق نعله وخرج بين يدي الشّيخ عطية، فتبعه حتى انتهى به إلى قرية عظيمة وكان مسرّة يومئذ بها، وهي قرية زوجته، فلمّا دنا أبو إسحاق منها قال: تلك دار الرّجل فاقرئه سلامي، وانصرف راجعا، قال عطية: فدخلت على أبي بكر مسرّة، فسلّمت عليه، وأقرأته سلام أبي إسحاق وأخبرته بما قال لي، فخرج مسرّة ليدركه ففاته / لأنّه كان إذا مشى أسرع حتّى لا يكاد يدرك إلاّ بالجري.
وكان أبو بكر مسرّة يجلّ أبا إسحاق ويعرف قدره أيضا فكان إذا ذكر أبا إسحاق بعد موته بكى بكاء شديدا ويقول: كان والله مقدّما علينا في صغره وكبره، مع أنّ أبا بكر مسرّة لم يترك من إجتهاده في العبادة، وكان من البكّائين على أنفسهم حتّى تستقرّ (?) الدّموع في موضع سجوده ويسقط من قيامه فيتهشّم وجهه، واجتمعا بقرية لبيدة (?) للصّلاة على جنازة سليمان بن يزيد بن أخي مسرّة، وكان صالحا، فقدم مسرة أبا إسحاق للصّلاة مع أنّ مسرّة وليّ الجنازة، فلمّا فرغا من الدّفن جرى بينهما حديث ودعاء ثمّ افترقا على دعاء، وتوادعا وتصافحا، فما اجتمعا بعدها حتّى مات أبو إسحاق، فأقام بعده مسرّة ثلاث سنين - رحمة الله عليهما -.
وقال أحد أولاد أبي إسحاق: ضاق بنا الحال فلم نجد قوتا، وكنت جمعت سمارا وعملت منه مصلية (?) بعتها بنصف درهم ثمّ عرضته عليه، فقال: حتّى أسأل أبا عبد الله بن سهلون، وبين صفاقس وابن سهلون نحو من يوم، فتوجّه إليه فسأله، قال:
ولطف الله بنا من بعده في شيء أكلناه، فرجع من عند إبن سهلون، وكشف عن الأرض التي جمع منها السمار، فوجدها غير طيّبة، فتصدّق بنصف الدّرهم، وكان إذا فرغ قوته يقول:
[البسيط]
مالي بلاد ولا استطرفت من نشب ... ولا أؤمّل غير الله من أحد
إنّ القنوع بفضل الله يمنعني ... من التّعرض للمنّانة النّكد /
إني لأكرم وجهي أن أعرّضه ... عند السّؤال لغير الواحد الصّمد