وكذلك شأنه أن يأخذ بركاب من فيه علم أو خير.
قال أحمد بن عيشون: قال أبو إسحاق يوما بعد صلاة الصّبح: يا أحمد، إني فكرت البارحة فيّ وفيك أن الناس يرون أنّا خير أهل هذه القرية، ونحن شرّها / فقم بنا نبكي على أنفسنا يوما من الدّهر، قال: فخرجنا إلى فحص منقطع نذكر ونبكي النهار كلّه حتّى ذهب بصري فلم يعد لي إلاّ بعد مدّة من الزّمن.
قال الشّيخ أبو محمّد بن أبي زيد إذا ذكر أبا إسحاق: طريق أبي إسحاق خالية لا يسلكها أحد في هذا الوقت، وكان يعظّمه كثيرا ويقول: لو لم يكن أمر أويس القرني صحيحا فالجبنياني أويس هذه الأمّة، وكان أيضا يقول: لو فاخرنا بنو إسرائيل بعبّادهم لفاخرناهم بالجبنياني. وقال أيضا: من محبّتي فيه وذكري له أراه في المنام، ولقد قوى قلبي لمّا بلغني أنّه يدعو لي، وبلغني أنّه رأى جامع مختصر المدوّنة الذي ألفت فأعجبه.
وكان أبو إسحاق يرغب في طلب العلم وصحبة العلماء ويقول: وددت لو أنّي على أبواب العلماء أفترش خدي لطلبة العلم، ويقول للزّوار: أتتركون العلماء وتأتوني!
وكان متقلّلا في أكله ولبسه غاية (?) قال منصور إبن هانيء المعلّم: رأيته يوما مهموما فسلّمت عليه وقلت: ما بالك - أصلحك الله - مغموما؟ فقال: لأنّ المنكر على داري {إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ} (?) قلت له: المنكر؟ قال: أي والله، قلت: ما هو يرحمك الله؟ قال: قشور قرع ملقاة (?) على بابي رماها أهلي، يمشى عليها وفيها قوت، أيموت أحدكم جوعا ويجد قشر قرع يقتات بها؟ فلمّا صلّى جمع تلك القشور فطبخت (?) لقوته.
ويلبس الصّوف من موضع يعرف أهله، فلمّا تغيّرت الأمور صار يلبس من خرق المزابل يجمعها فيغسلها ويبطّن بعضها ببعض / فيجعل شيئا منها في وسطه وشيئا على ظهره ويخيطها بمسلّة من عظم غزال، ويأكل البقل البرّي والجراد إذا وجده، ويطحن الشّعير قوته بيده، ثمّ يعجنه (?) بنخّالته دقيقا في قدر مع ما يجد من بقل بري أو غيره حتّى إنّه ربّما رمى منه شيئا لكلب أو هرّ فلا يأكله، وربّما عوتب في ذلك، فيقول: