المقام بعد وفاته، ومنهم رمضان بو عصيدة الذي استقر بزاوية الصّفار، وإبراهيم المزغني الذي اشتغل بمقام سيدي عبد الرحمان الطبّاع، ومحمد الزّواري، ومحمد بن محمد الشّرفي الذي تصدر للتدريس فيما بعد بالزاوية الحسينية.
وتعزز التدريس بصفاقس بجانب الزاوية النورية بالحركة التي كان يقوم بها الشّيخ عبد العزيز الفراتي بالجامع الكبير، وتعزّز كذلك بالمدرسة الحسينية التي أحدثها حسين بن علي في سنة 1126/ 14 - 1715 م، وتصدر للتدريس بها أوّلا الشيخ محمد ابن المؤدب محمد الشّرفي الذي أنهى تكوينه كالشيخ علي النوري وعبد العزيز الفراتي بمصر.
وكانت الزاوية النورية طيلة حياة الشيخ علي، وبعد وفاته مع ابنيه محمد وأحمد وأحفاده، والمدرسة الحسينية أيضا أهم المدارس في صفاقس خلال القرن الثامن عشر، وكان مستوى التدريس بها هو مستوى مشايخها الذين يدرسون بها، رفيعا، وكان بعض الطلبة يكتفي بما يتلقاه فيهما ليصبح فقيها أو ميقاتيا أو شاعرا.
وهكذا تعددت أماكن التدريس، وتعدد المدرسون المتكونون في مختلف فنون المعرفة التي أخذوها عن مشايخهم وغيرها من مراكز التعليم في الإيالة وخارجها، وانتشرت الثقافة بين الناس ونبغ بعضهم في مختلف نواحيها.
وهذه النهضة ليست مستقلة بذاتها، إذ هي وجه من النهضة الثقافية التونسية في القرن الثامن عشر، البارزة في تونس العاصمة، وترجع أسبابها إلى عدة عوامل منها الإستقرار السياسي والتقدم الإقتصادي، واعتناء الحكام بها منذ قيام الدولة الحسينية ببناء المدارس وتكوين المكتبات، وتنظيم التدريس بالزيتونة، وإكرام أهل العلم، وإجراء المرتبات لهم والإحسان إلى الطلبة.
ويمكن أن نقسم فنون المعرفة التي راجت في صفاقس إلى أقسام ثلاث:
- القسم الديني الذي يشمل الفقه والأحكام والأصول والفرائض والقراءات والحديث والتفسير وكل من سبق ذكرهم كان له باع فيها.
- قسم الرياضيات وله ارتباط بالأول ويتعلق بالحساب، والفلك، والميقات، وصناعة الأرباع، وقد برع فيها بعض أفراد عائلة الشّرفي بجانب تضلعهم في العلوم الأخرى، وأهمهم محمد ابن المؤدب محمد الشّرفي وابنه أحمد القاضي وحسن بن أحمد الشّرفي.
- الأدبيات: النحو والشعر والأدب والتاريخ.
ومن شعراء الجيل الأول: محمد ابن المؤدب الشّرفي، وبعده برع في قرض الشعر ثلاثة آخرون تعاصروا: علي ذويب، وإبراهيم الخراط، وعلي الغراب، وكانوا رفقاء وزملاء تتلمذوا على الطيب الشّرفي وعلي الأومي ومحمد بن علي الفراتي.
وانفرد في كتابة التاريخ محمود مقديش - المترجم له - إذ لم تكن صناعة التاريخ في مدينته من الآداب الرائجة أو المطلوبة، ولم تكن علما قائما بذاته يدرس. وقد يرجع ميل محمود مقديش إلى هذه المادة إلى عدة عوامل، مرتبطة ببعضها: تعاطيه نسخ الكتب عندما كان مجاورا الأزهر، واعتقاده أن