وحملت مشعل التعليم والعلم في تلك الفترة أسر ثلاث: أسرة الفراتي، وأسرة الشرفي، وأسرة الكراي.
أما أسرة الفراتي فقد قال في شأنها حسين خوجة عند ترجمته لعبد العزيز بن محمد الفراتي «وهو من دار علم من قديم الزمان، وهو عاشرهم كلهم علماء أعلام» (?).
وأما أسرة الشرفي فقد اهتمت بعلوم الميقات والجغرافيا، وبرز منها علي بن أحمد بن محمد الشرفي الذي وضع في سنة 1551 م أطلسا في ثماني ورقات لسواحل البحر الأبيض المتوسط تملك منه المكتبة الوطنية بباريس نسخة فريدة (?).
وقد ألحق أفراد آخرون من أسرة الشرفي نماذج أخرى للعالم تمثل في جوهرها صورة منقحة لخارطة الإدريسي، ترجع إلى سنوات 1572، 1579 و 1601، وأهمها الخارطة التي وضعها محمد ابن علي الشرفي، وتحدث عنها كراتشكوفسكي اعتمادا على دراسات قام بها كل من ميللر وأماري (?).
أما أسرة الكراي فهي مشهورة بحركتها الدينية، الصوفية النزعة، المنتمية إلى الحركة الوفائية الشاذلية، وقد برز فيها أبو الحسن بن أبي بكر المتوفي سنة 1703 م وهو من أحفاد الشيخ علي الكراي أبي بغيلة معاصر سيدي أحمد بن عروس، نعته محمد محفوظ في تراجم المؤلفين التونسيين «بالعالم الصوفي الوفائي نسبا وطريقة» (?) أنشأ زاوية بصفاقس بعد رحلته إلى الأزهر «واشتغل بنشر العلم وانتفع به جماعة من أهل بلده منهم خليفته على الزّاوية الشّيخ محمد المراكشي ومنهم كذلك الشيخ علي النوري».
ويمثل رجوع الشّيخ علي النوري من مصر إلى مسقط رأسه في أواخر سنة 1078/ 1668 م وتأسيسه لزاويته وفتحها للتدريس منعرجا في حياة صفاقس الثقافية والدينية، إذ أعطت شرارة نهضتها، فكان الشيخ علي النوري الذي وصفه حسين خوجة «بالمربي، والمدرس، ومحيي السنة. . .» رائد هذه النهضة. ورآى بعضهم حلوله في مدينته كالغيث في البلد القاحل الجديب، أروى العقول من ظمإ الجهل.
وكان للزّاوية النّورية إشعاع، وتأثير كبير في تكوين الطّلبة الذين أتقنوا دراستهم عن الشّيخ علي النوري، وعن شيوخ البلد غيره وأهمهم عبد العزيز الفراتي، وتوزع بعضهم في مساجد المدينة وزواياها، ينشرون التربية والعلوم التي تلقوها، ونذكر منهم محمد وأحمد ولدا الشيخ علي، اللذان أخذا مشعل الزاوية بعد وفاة والدهما، وعلي بن محمد المؤخر الذي كان حيا في سنة 1118 هـ - 1706 م، أخذ عن الشيخ علي النوري علوم اللسان والشريعة والميقات والحساب، وتولى الإمامة والتدريس والتجويد بضريح الشيخ سيدي أبي الحسن اللخمي، ومحمد الغراب الذي خلفه بنفس